والوجه في ذلك معلوم لان الإنسان محفوف بما يجذبه إلى النار من جهات فان جاذبية الشهوات والنفس الامارة بالسوء اللتين تشدان الناس إلى النار شدا. والحجب الظلمانية التي حجبت النفس عن الكمال كل ذلك تسوق إلى النار وتدفعه إليها وهي تجذبه إليها جذبا عنيفا ، وفي الحديث «حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات» فكل فرد من افراد الإنسان فيه الموجبات الكثيرة للدخول في النار قال تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) مريم ـ ٧٢ بناء على رجوع الضمير إلى النار.
ولذلك لا بد من جهاد مرير ومشقة عظيمة للابتعاد عن دائرة جذبها والانفلات من إسارها إلى ان يدخل في الجنة فان ذلك هو الفوز العظيم الذي لا نهاية لعظمته إذ لا اجر في الحقيقة غير ذلك والبقية خسران محض لان فيه السلامة من النار والنجاة منها وقد كاد ان يبقى فيها. والسلامة عن المكروه أهم ما يطلبه المرء في جميع الأحوال ناهيك انه يدخل الجنة ويفوز بنعيمها الدائم في دار الخلود.
وليس الدخول في الجنة قيدا زائدا على الزحزحة عن النار ، فانه لا واسطة بينهما ، فان النجاة من النار ليس الا الدخول في الجنة كما يستفاد من الآيات الشريفة والسنة المباركة.
ولكن الآية الكريمة تبين معنى دقيقا آخر في الخروج من النار الذي هو مطلوب كل فرد والدخول في الجنة الذي لا برفوقه فان التعبير بالمجهول في كل من «زحزح وأدخل» يوحى بأن الإنسان لا يتزحزح من قبل نفسه بل هناك أيد خفية تجذب الإنسان جذبا عنيفا لتزحزحه عن النار وتدخله الجنة ولولاها لبقي في النار وهذه الايدي قد مدت في دار الدنيا لتنقذ عباد الله من المهالك والمخاطر ومن الدخول في النار.