بحث عرفاني
يمكن ان يكون المراد من عن النار في قوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) نار الشهوات المادية الجسمانية التي هي اصل النار الكبرى ومادتها. ويراد بالجنة جنة التفاني في مرضات الله تعالى التي هي أعلى من جنة عدن بمرات كثيرة قال تعالى (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة ـ ٧٢ فانه لا فوز أعظم من ذلك وان جميع الممكنات دونه نزر يسير. فتكون الآية الشريفة في مقام بيان حقيقة اولياء الله تعالى الذين أماتوا أنفسهم بالاختيار ، واستخرجوا النفس الامارة من جحيم الشهوات ففازوا بلقاء الله تعالى وشربوا من عيون الحياة المعنوية واستشرقوا بشوارق الأنوار الازلية ، وجعلوا متاع الغرور تحت اقدامهم فابتهجوا بابتهاجات غير متناهية في المدة والعدة كما ابتهج العرش الأعلى بوجودهم.
والآيات الشريفة المتقدمة من آيات السير والسلوك إلى الله تعالى فإنها ترشد الإنسان إلى الكمال وتبين ان الوصول اليه صعب المنال فلا بد من الصبر والتقوى وخلع النفس الامارة بالسوء التي لها منابت في النار.
كما انها ترشد المؤمنين إلى التحلي بمكارم الأخلاق وتذكرهم فيها ببعض مساوي الأخلاق التي تبعدهم عن الواقع وتوقعهم في المهالك والردى.