ثم إن الصبر فضيلة سامية ، وخصلة حميدة ، وخلق كريم ، بل هو أم الفضائل ولا يستقيم سائرها الا به ، فله منزلة عالية ومقام رفيع بينها ، وقدم في قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) البقرة ـ ٤٥ ما يتعلق به فراجع.
وانما اطلق سبحانه الأمر ليشمل جميع أقسام الصبر وهي الصبر على الشدائد ، والصبر على طاعة الله تعالى ، والصبر عن المعصية» ولبيان ان موضوع الصبر يرجع تحديده الى المؤمنين فالصبر انما يكون على ما يحمد عليه الصبر وفي ما يحمد مطلقا ، والأمر بالصبر لأجل ان جميع ما ورد في هذه السورة من الحقائق والكمالات والدروس والعبر لا يمكن تحصيلها الا بالصبر ولذا قدمه عزوجل في الآية الشريفة على غيره.
قوله تعالى : (وَصابِرُوا).
المصابرة من باب المفاعلة وهي المغالبة في الصبر ، ويلزم ذلك مقابلة الصبر بالصبر وتضاعف تأثيره وتقوى الحال به. وانما يظهر هذه الخصلة الحميدة في الجماعة في حال الاجتماع والتعاون.
والمستفاد من الآية الشريفة أن الاول كان بلحاظ حال الانفراد ، والثاني انما هو بلحاظ حال الجمع والاجتماع ، والأمر بالمصابرة لأجل وقوف الجماعة امام المشاكل الاجتماعية والتعاون في حلها وتحمل الأذى في إعلاء كلمة الحق واقامة احكام الله تعالى. والمصابرة في ميدان القتال مقابلة الأعداء الذين يريدون اطفاء نور الله تعالى وخذلان الحق والغلبة على المؤمنين.