وغواية الشيطان الذي يمني الإنسان بالسوء وحب العاجل والتغاضي عن الجزاء ، فان جميع ذلك توجب الغفلة والوقوع في الجهالة فيغفل عن وجه قبح الفعل وذمه مع كون الفاعل انما يفعل عن علم وارادة وعلى هذا تكون الجهالة قيدا توضيحيا لكل معصية تصدر عن الهوى وغلبة الشهوة والغضب فتكون صادرة عن الجهالة ، ولذا لو سكنت ثائرة الغضب وخمد لهيب الشهوة ورأى جزاء عمله عاد إلى العلم وزالت الجهالة وندم على فعله ومما ذكرنا يظهر السر في قوله (صلىاللهعليهوآله) : «كفى بالندم توبة».
هذا إذا لم يكن صدور الذنب عن المكابرة للحق وعناد معه وإلا فان ذلك يرجع إلى خبث الذات ورداءة الفطرة ، ومعهما لا يرجع إلى الحق بالتوبة ويستمر على ذلك طول حياته إلا إذا لحقته العناية الربانية فيرجع عن عناده ولجاجته وتلحقه الندامة وفي غير هذه الحالة لا يكون المعاند نادما ، وإن اظهر الندامة فإنما يكون لحيلة يحتالها لنفسه فرارا عن الجزاء ونحوه ويدل عليه رجوعه إلى غيه ولجاجته لو ارتفعت الضرورة كما قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) الانعام ـ ٢٨.
ومما ذكرناه يظهر ان القيد يمكن أن يكون احترازيا ايضا فيكون المراد به ان لا يكون الذنب عن عناد ولجاجة واستعلاء على الله تعالى ، ويشهد لذلك عدم تقييد عمل السيئات بالجهالة في الآية التالية فان المنساق منها هو التعمد والتجبر على الله تعالى كما يشهد له قوله تعالى : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) فالحالة التي تكون بين الموت وعمل السيئة على اقسام.
الاول : ان يكون مبادرا إلى التوبة بعد عمل المعصية فهذا تقبل التوبة منه :