والمنة : وهي النعمة العظيمة التي تفاجئ الإنسان من دون سبق سؤال ومن صفات الله العليا : «يا من مننه ابتداء وعطيته فضل» ومن أسمائه جلت عظمته «المنان» اي المنعم المعطي.
ولا خير في الممكنات مطلقا أعلى وأكمل واشمل من تكميل النفوس الناقصة المستعدة فهو الخير المطلق في الدنيا والآخرة ، بل لا آخرة إلا بذلك فيكون أعظم صنع الله تعالى ولم يخلق ما سواه الا لأجله ، ولذا أجمل سبحانه هذه المنة العظيمة في المقام وأهملها فان أنبياء الله تعالى وان خلقوا في هذا العالم لكنهم (صلوات الله عليهم أجمعين) شوارق غيب يستمدون من الفيض الرباني غير المتناهي ويفيضون على الأعيان المستعدة فهم بوجودهم الجمعي ليسوا الا العقل الكلي المجرد يظهر تارة في صورة خليل الله تعالى ابراهيم واخرى في صورة حبيب الله احمد (صلىاللهعليهوآله) فالحقيقة واحدة والشوارق مختلفة ، ومن ذلك يظهر السر في أقوالهم (عليهمالسلام) : «من لا عقل له لا ايمان له ومن لا ايمان له لا عقل له» والآيات الشريفة ناصة في هذا التلازم كما ستعرف ذلك إن شاء الله تعالى.
ان قلت : ان ما ذكر من ان إفاضة الخير من دون سبق سؤال تسمى منة مخالفة لظاهر قوله تعالى حكاية عن ابراهيم (عليهالسلام) (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) البقرة ـ ١٢٩ وقول سيد الأنبياء «انا دعوة أبي ابراهيم».
قلت : ان المراد من دون سبق سؤال من نفس المفاض عليه لا ممن يكون من طرق الفيض وفي سلسة الافاضة.