قال : ومما يشهد لهذا الذي ذهبنا إليه ، ما أخرجه أبو عبيدة في الفضائل عن أنس : أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها ، فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال : إنّ هذا لهو التكلّف يا عمر!
وما روي من أن عمر كان على المنبر فقرأ : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ)(١) ثم سأل عن معنى التخوّف ، فقال له رجل من هذيل : التخوّف عندنا التنقّص ، ثم أنشد :
تخوّف الرحل منها تامكا قردا |
|
كما تخوّف عود النّبعة السّفن (٢) |
قال الطبرسي : التخوّف : التنقّص ، وهو أن يأخذ الأوّل فالأوّل حتى لا يبقى منهم أحد ، وتلك حالة يخاف معها الهلاك والفناء وهو الغناء تدريجا ، ثم أنشد البيت بتبديل الرحل إلى السير (٣).
قال الفراء : جاء التفسير بأنه التنقّص. والعرب تقول : تحوّفته ـ بالحاء المهملة ـ : تنقّصه من حافاته. (٤) ومعنى الآية ـ على ذلك ـ : أنه تعالى يهلكهم على تدرّج شيئا فشيئا ، بما
__________________
(١) النحل / ٤٧.
(٢) الموافقات ، ج ٢ ، ص ٨٧ ـ ٨٨. (الذهبي ، ج ١ ، ص ٣٤)
(٣) مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٣٦٣.
والرحل : القتب وهو ما يجعل على ظهر البعير كالسرج للفرس. والتامك : السنام ، لارتفاعه ، يقال : تمك السنام تموكا إذا طال وارتفع. والقرد : الذي تجعّد شعره فصار كأنه وقاية للسنام. والنبع : شجر للقسيّ والسهام. والسفن : ما ينحت به كالمبرد ونحوه.
ومعنى البيت : أنّ الرحل قد أخذ من جوانب السنام فجعل يأكله وينقص من أطرافه ، رغم سموكه وتجعّده بالشعر المتلبّد. كما يأخذ المبرد من أطراف عود النبعة لبريه سهما أو قوسا.
(٤) معاني القرآن ، ج ٢ ، ص ١٠١.