ذلك بعد قوله : وكان ابن عباس وأبو هريرة أكبر من نشر علم كعب الأحبار (١).
وقال الدكتور مصطفى الصاوي : وكثيرا ما ترد عن ابن عباس روايات في بدء الخليقة وقصص القرآن ، مما لا يمكن أن يكون قد رجع فيها إلّا إلى أهل الكتاب ؛ حيث يرد هذا القصص مفصلا ، مثال هذا تفسيره للآية : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ)(٢) قال : لكنه حين يرجع إليهم مستفسرا ، فإنما يرجع رجوع العالم الذي يعير سمعه لما يقال ، ثم يعمل فكره وعقله فيما يسمع ، ثم ينخله مبعدا عنه الزيف (٣).
قلت : إن كانت فيما روي عنه في ذلك وأمثاله غرابة أو غضاضة ، فإنّ العتب إنما يرجع إلى الذي نسبه إلى ابن عباس ، ترويجا لأكذوبته ، ولا لوم على ابن عباس في كثرة الوضع عليه. نعم ولعل هذه الكثرة في الوضع عليه آية على تقدير له وإكبار من الوضّاع ، لكنه في نفس الوقت ، رغبة منهم في أن تنفق بضاعتهم ، موسومة بمن في اسمه الرواج العلمي. وقد اعترف بذلك الدكتور الصاوي (٤) ، فلما ذا حكم عليه ذلك الحكم القاسي؟!
فالصحيح : أن ابن عباس كان في غنى عن مراجعة أهل الكتاب ، وعنده الرصيد الأوفى بالعلوم والمعارف والتاريخ واللغة ، ولا سيّما في مثل تلكم الأساطير السخيفة التي كانت كل ما يملكه اليهود من بضاعة مزجاة كاسدة ، بل إن
__________________
(١) فجر الاسلام ، ص ١٦٠.
(٢) البقرة / ٣٠ ، راجع : الطبري ، ج ١ ، ص ١٥٨.
(٣) مناهج في التفسير ، ص ٣٨.
(٤) مناهج في التفسير ، ص ٤١.