وثانيهما : الاستبداد بالرأي في تفسير القرآن ، محايدا طريقة العقلاء في فهم معاني الكلام ، ولا سيما كلامه تعالى. فإنّ للوصول إلى مراده تعالى من كلامه وسائل وطرقا ، منها : مراجعة كلام السلف ، والوقوف على الآثار الواردة حول الآيات ، وملاحظة أسباب النزول ، وغير ذلك من شرائط يجب توفّرها في مفسّر القرآن الكريم. فإغفال ذلك كله ، والاعتماد على الفهم الخاص ، مخالف لطريقة السلف والخلف في هذا الباب. ومن استبد برأيه هلك ، ومن قال على الله بغير علم فقد ضلّ سواء السبيل ، ومن ثم فإنه قد أخطأ وإن أصاب الواقع ـ فرضا أو صدفة ـ لأنه أخطأ الطريق ، وسلك غير مسلكه المستقيم.
قال سيدنا الأستاذ الإمام الخوئي ـ دام ظله ـ : إن الأخذ بظاهر اللفظ ، مستندا إلى قواعد وأصول يتداولها العرف في محاوراتهم ، ليس من التفسير بالرأي ، وإنما هو تفسير بحسب ما يفهمه العرف ، وبحسب ما تدل عليه القرائن المتصلة والمنفصلة ، وإلى ذلك أشار الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام بقوله : «إنما هلك الناس في المتشابه ؛ لأنهم لم يقفوا على معناه ، ولم يعرفوا حقيقته ، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم ، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء فيعرّفونهم».
قال : ويحتمل أن معنى التفسير بالرأي ، الاستقلال في الفتوى من غير مراجعة الأئمّة عليهمالسلام مع أنهم قرناء الكتاب في وجوب التمسّك ، ولزوم الانتهاء إليهم. فإذا عمل الإنسان بالعموم أو الإطلاق الوارد في الكتاب ، ولم يأخذ التخصيص أو التقييد الوارد عن الأئمّة عليهمالسلام كان هذا من التفسير بالرأي.
وعلى الجملة ، حمل اللفظ على ظاهره بعد الفحص عن القرائن المتصلة والمنفصلة ، من الكتاب والسنّة أو الدليل العقلي ، لا يعدّ من التفسير بالرأي ، بل و