الاختصاص والانفراد والاستقلال ، بأن يستقل المفسّر في تفسير القرآن بما عنده من الأسباب في فهم الكلام العربي ، فيقيس كلامه تعالى بكلام الناس ، فإن قطعة من الكلام من أيّ متكلم إذا ورد علينا ، لم نلبث دون أن نعمل فيه القواعد المعمولة في كشف المراد الكلامي ، ونحكم بذلك أنه أراد كذا ، كما نجري عليه في الأقارير والشهادات وغيرهما. كل ذلك لكون بياننا مبنيّا على ما نعلمه من اللغة ، ونعهده من مصاديق الكلمات ، حقيقة ومجازا.
والبيان القرآني غير جار هذا المجرى ، بل هو كلام موصول بعضها ببعض ، في حين أنه مفصول ، ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، كما قاله علي عليهالسلام.
فلا يكفي ما يتحصّل من آية واحدة بإعمال القواعد المقررة ، دون أن يتعاهد جميع الآيات المناسبة لها ، ويجتهد في التدبّر فيها.
فالتفسير بالرأي المنهيّ عنه أمر راجع إلى طريق الكشف دون المكشوف. فالنهي إنما هو عن تفهّم كلامه تعالى على نحو ما يتفهّم به كلام غيره ، حتى ولو صادف الواقع ؛ إذ على فرض الإصابة يكون الخطأ في الطريق.
قال : ويؤيّد هذا المعنى ، ما كان عليه الأمر في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فإن القرآن لم يكن مؤلّفا بعد ، ولم يكن منه إلّا سور أو آيات متفرقة في أيدي الناس ، فكان في تفسير كلّ قطعة قطعة منه خطر الوقوع في خلاف المراد.
قال : والمحصّل أن المنهي عنه إنما هو الاستقلال في تفسير القرآن ، واعتماد المفسّر على نفسه من غير رجوع إلى غيره ، ولازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه.
قال : وهذا الغير ـ لا محالة ـ إما هو الكتاب أو السنّة. وكونه هي السنّة ، ينافي كون القرآن هو المرجع في تبيان كل شيء ، وكذا السنّة الآمرة بالرجوع إلى القرآن