عند التباس الأمور ، وعرض الحديث عليه لتمييز صحيحه عن سقيمه ، فلم يبق للمراجعة والاستمداد في تفسير القرآن سوى نفس القرآن. فإن القرآن يفسر بعضه بعضا ، وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض (١).
وهذا الذي ذكره سيدنا العلامة ـ هنا ـ تحقيق عريق بشأن طريقة فهم معاني كلامه تعالى.
قال ـ في مقدمة التفسير ـ :
إنّ الاتّكاء والاعتماد على الأنس والعادة في فهم معاني الآيات ، يشوّش على الفاهم سبيله إلى إدراك مقاصد القرآن ؛ إذ كلامه تعالى ناشئ من ذاته المقدسة ، التي لا مثيل لها ولا نظير (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، (٢)(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(٣) ، (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ). (٤)
وهذا هو الذي دعا بالنابهين أن لا يقتصروا على الفهم المتعارف لمعاني الآيات الكريمة ، وأجازوا لأنفسهم الاعتماد ـ لإدراك حقائق القرآن ـ على البحث والنظر والاجتهاد.
وذلك على وجهين : إما بحثا علميّا أو فلسفيا أو غيرهما ، للوصول إلى مراده تعالى في آية من الآيات ؛ وذلك بعرض الآية على ما توصل إليه العلم أو الفلسفة من نظريات أو فرضيات مقطوع بها ، وربما المظنون منها ظنّا راجحا ، وهذه
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ٣ ، ص ٧٧ ـ ٧٩ ، وراجع : ج ١ ، ص ١٠ أيضا.
(٢) الشورى / ١١.
(٣) الأنعام / ١٠٣.
(٤) الصّافّات / ١٥٩.