ثياب مختلفة الألوان وقد علمت على كل واحد منها بخيط على اللون الذي يصبغ به فيجب أن تكون فارغا منها عند قدومي ، وخرج فطبخ عيسى جبا واحدا على لون واحد وأدخل فيه جميع الثياب وقال : كوني بإذن الله تعالى على ما أريد منك فقدم الحواري والثياب كلها في الجب فقال : ما فعلت؟ قال : فرغت منها قال : أين هي؟ قال : في الجب قال : كلها؟ قال : نعم قال : لقد أفسدت تلك الثياب فقال : قم فانظر فأخرج عيسى ثوبا أصفر وثوبا أخضر وثوبا أحمر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها ، فجعل الحواري يتعجب وعلم أنّ ذلك من الله تعالى ، فقال للناس : تعالوا فانظروا فآمن هو وأصحابه وهم الحواريون وقال الكلبي وعكرمة : الحواريون الأصفياء وهم كانوا أصفياء عيسى أوّل من آمن به وكانوا اثني عشر من الحور وهو البياض الخاص ، وحواري الرجل صفوته وخالصته. وقيل للحضريات الحواريات لخلوص ألوانهنّ ونظافتهن قال القائل (١) :
فقل للحواريات يبكين غيرنا |
|
ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح |
قال الله تعالى : (وَمَكَرُوا) أي : كفار بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر به ، وذلك أن عيسى عليه الصلاة والسّلام بعد إخراج قومه إياه وأمّه عاد إليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة فهموا بقتله وتواطؤوا على الفتك به ووكلوا به من يقتله غيلة ـ وهي بالكسر ـ أن يخدع غيره فيذهب به إلى موضع فإذا صار إليه قتله فذلك مكرهم إذ المكر من المخلوق الخبث والخديعة والحيلة ، وأمّا من الخالق وهو قوله تعالى : (وَمَكَرَ اللهُ) أي : بهم (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) أي : أعلمهم به ، فقال الزجاج : مجازاتهم على مكرهم فسمي الجزاء باسم الابتداء ؛ لأنه في مقابلته كقوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة ، ١٥] وهو خادعهم ومكر الله تعالى بهم في هذه الآية بأن ألقى شبهه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى حتى قتل.
روي أنّ عيسى استقبل رهطا من اليهود فلما رأوه قالوا : قد جاء الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة فقذفوه وأمه ، فلما سمع ذلك عيسى دعا عليهم ولعنهم فمسخهم الله خنازير ، فلما رأى ذلك يهوذا رأس اليهود وأميرهم فزع لذلك وخاف دعوته فاجتمعت كلمة اليهود على قتل عيسى وساروا إليه ليقتلوه فبعث الله تعالى إليه جبريل فأدخله في خوخة في سقفها كوة فرفعه الله تعالى إلى السماء من تلك الكوة فأمر يهوذا رأس اليهود رجلا من أصحابه أن يدخل الخوخة ويقتله فلما دخل لم ير عيسى فأبطأ عليهم فظنوا أنه يقاتله فيها فألقى الله تعالى عليه شبه عيسى فلما خرج ظنوا أنه عيسى فقتلوه وصلبوه ، فلما صلب جاءت أمّ عيسى وامرأة كان عيسى دعا لها فأبرأها الله تعالى من الجنون يبكيان عند المصلوب ، فجاءهما عيسى فقال لهما : على من تبكيان؟ إنّ الله تعالى رفعني ولم يصبني إلا خير وإن هذا شبه لهم ، فلما كان بعد سبعة أيام قال الله تعالى لعيسى : اهبط إلى مريم فإنه لم يبك عليك أحد بكاها ولم يحزن حزنها ، ثم لتجمع لك الحواريين فبثهم في الأرض دعاة إلى الله عزوجل ، فأهبطه الله تعالى إليها فاشتعل حين أهبط نور فجمعت له
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لأبي جلدة اليشكري في ديوانه ص ٣٣٧ ، والمؤتلف والمختلف ص ٧٩ ، ولسان العرب (حور) ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ١١٢ ، ومجمل اللغة ٢ / ١١٩ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٢٨٥ ، ومقاييس اللغة ٢ / ١١٦ ، وتهذيب اللغة ٥ / ٢٢٩ ، وأساس البلاغة (حور).