الحواريين ، فبثهم في الأرض دعاة ثم رفعه الله تعالى إليه وتلك الليلة هي التي تدخن فيها النصارى ، فلما أصبح الحواريون تحدث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى عليه الصلاة والسّلام إليهم.
وروي أنّ الله تعالى أرسل إليه سحابة فرفعته فتعلقت به أمه وبكت فقال لها : إنّ القيامة تجمعنا وكان ذلك ليلة القدر ببيت المقدس وله ثلاث وثلاثون سنة ، وقالت أهل التواريخ : حملت مريم بعيسى ولها ثلاث عشر سنة وولدته لمضي خمس وستين سنة من غلبة الإسكندر على أرض بابل ، فأوحى الله تعالى إليه على رأس ثلاثين سنة ورفعه إليه من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وكانت نبوّته ثلاث سنين وعاشت أمّه بعد رفعه ست سنين وقوله تعالى :
(إِذْ قالَ اللهُ) ظرف لخير الماكرين أو لمكر الله أو لمضمر مثل اذكر (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي : مستوفي أجلك ومعناه إني عاصمك من أن يقتلك الكافر ومؤخرك إلى أجل كتبته لك ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم أو قابضك من الأرض. من توفيت مالي أي : قبضته أو متوفيك نائما كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) [الأنعام ، ٦٠] أي : يميتكم ، إذ روي أنه رفع نائما أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج إلى عالم الملكوت (وَرافِعُكَ إِلَيَ) أي : إلى محل كرامتي ومقرّ ملائكتي ، إذ روي أنّ الله تعالى رفعه وكساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار مع الملائكة فهو معهم حول العرش وكان إنسيا سماويا أرضيا ، وقال محمد بن إسحاق : النصارى يزعمون أن الله تعالى توفاه سبع ساعات من النهار ثم أحياه ورفعه. وقال الضحاك : إنّ في الآية تقديما وتأخيرا معناه إني رافعك إليّ (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : مخرجك من بينهم ومنجيك منهم ومتوفيك بعد إنزالك من السماء.
روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» (١).
وروى الشيخان حديث : «أنه ينزل قرب الساعة ويحكم بشريعة نبينا ويقتل الدجال والخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية» (٢) وفي حديث مسلم أنه يمكث سبع سنين ، وفي حديث عند أبي داود والطيالسي «أربعين سنة» ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ، فيحمل على أنّ مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده أربعون ، وقيل للحسين بن الفضل : هل تجد نزول عيسى في القرآن؟ قال : نعم قوله تعالى : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) [آل عمران ، ٤٦] وهو لم يتكهل في الدنيا وإنما معناه كهلا بعد نزوله من السماء انتهى. وهذا إنما يأتي على القول بأنه رفع شابا ، وأما على القول بأنه رفع بعد ثلاث وثلاثين فلا دليل فيه إذ الكهولة من الثلاثين إلى الأربعين (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) أي : صدقوا بنبوّتك من النصارى ومن المسلمين ؛ لأنه متبعوه في أصل الإسلام ، وإن اختلفت الشرائع (فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بك من اليهود والنصارى أي : يغلبونهم بالحجة
__________________
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ٤٩ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، وأبو داود في الملاحم باب ١٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٤٠ ، ٢٧٢ ، ٢٩٠ ، ٤٠٦ ، ٤١١.
(٢) انظر الحاشية السابقة.