لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً) وهو جمع ضعف. ولما كان جمع قلة والمقصود الكثرة أتبعه بما يدل على ذلك وهو الوصف بقوله : (مُضاعَفَةً) بأن تزيدوا في المال عند حلول الأجل وتؤخروا الطلب والتخصيص بحسب الواقع ، إذ كان الرجل منهم يرابي إلى أجل ثم يزيد في الدين زيادة أخرى حتى يستغرق بالشيء اللطيف مال الديون وإلا فالربا حرام بلا مضاعفة بل هو من الكبائر مطلقا ، وقرأ ابن كثير وابن عامر بتشديد العين ولا ألف قبلها ، والباقون بتخفيف العين وألف قبلها (وَاتَّقُوا اللهَ) بترك ما نهيتم عنه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي : تفوزون.
ثم خوّفهم فقال تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) بالتحرّز عن متابعتهم وتعاطي أفعالهم ، كان أبو حنيفة رحمهالله تعالى يقول : هذه أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدّة للكافرين إن لم يتقوه باجتناب محارمه وفي الآية تنبيه على أنّ النار بالذات للكفار وبالعرض للعصاة.
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لما ذكر الوعيد أتبعه بالوعد ترهيبا عن المخالفة وترغيبا في الطاعة على عادته تعالى المستمرّة في القرآن ، قال محمد بن إسحاق بن يسار هذه الآية معاتبة للذين عصوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أمرهم بما أمرهم يوم أحد ولعلّ وعسى في أمثال ذلك دليل على عزة التوصل إلى ما جعل خيرا لهما ومن تأمّل هذه الآيات وأمثالها لم يحدّث نفسه بالأطماع الفارغة والتمني على الله تعالى.
(وَسارِعُوا) أي : بادروا وأقبلوا (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : إلى ما تستحق به المغفرة كالإسلام والتوبة وأداء الفرائض والهجرة والجهاد والتكبيرة الأولى والأعمال الصالحات. وقرأ نافع وابن عامر بغير واو قبل السين والباقون بواو قبلها (وَ) إلى (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي : عرضها كعرضهما كقوله تعالى : (عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الحديد ، ٢١] وإنما جمعت السماء وأفردت الأرض لأنها أنواع قيل : بعض فضة وبعض غير ذلك ، والأرض نوع واحد وذكر العرض للمبالغة في وصف الجنة بالسعة ؛ لأنّ العرض دون الطول كما دلّ عليه قوله تعالى : (بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) [الرحمن ، ٥٤] على أن الظهارة أعظم يقول : هذه صفة عرضها فكيف طولها؟ قال الزهري : إنما وصف عرضها فأما طولها فلا يعلمه إلا الله تعالى وهذا على سبيل التمثيل لا أنها كالسموات والأرض لا غير بل معناه كعرض السماوات السبع والأرضين السبع عند ظنكم كقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود ، ١٠٧] أي : عند ظنكم وإلا فهما زائلتان.
وعن ابن عباس : الجنة كسبع سموات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض. وعنه أيضا إنّ لكل واحد من المطيعين جنة بهذه السعة.
وروي أنّ ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : إذا كانت الجنة عرضها ذلك فأين تكون النار؟ فقال لهم : أرأيتم إذا جاء الليل فأين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار فأين يكون الليل؟ فقالوا : إنه لمثلها في التوراة ، ومعناه أنه حيث شاء الله. وسئل أنس بن مالك عن الجنة : أفي السماء أم في الأرض وأيّ أرض وسماء تسع الجنة؟ قيل : فأين هي؟ قال : فوق السموات السبع تحت العرش ، وقال قتادة : كانوا يرون أنّ الجنة فوق السموات السبع وأنّ جهنم تحت الأرضين السبع.