فقرأ : قل يأيها الكافرون أعبد ما تعبدون بحذف لا هكذا إلى آخر السورة فنزلت (١) ، فكانوا لا يشربونها في أوقات الصلاة ، فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون ، ثم نزل تحريمها. وقيل : أراد بالصلاة مواضعها وهي المساجد. وقيل : أراد بالسكر سكر النوم ونهى عن الصلاة عند غلبة النوم قال صلىاللهعليهوسلم : «إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإنّ أحدكم إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه» (٢).
وقوله تعالى : (وَلا جُنُباً) منصوب على الحال أي : ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنب بإيلاج أو إنزال ، يقال : رجل جنب وامرأة جنب ورجال ونساء جنب ؛ لأنه يجري مجرى المصدر لا أنه مصدر بل هو اسم مصدر ؛ لأنه لم يستوف حروف الفعل ؛ لأنّ فعله أجنب فمصدره إجنابا لا جنبا ، وأصل الجنابة البعد وسمي جنبا ؛ لأنه يجتنب موضع الصلاة أو لمجانبته الناس وبعده منهم حتى يغتسل (إِلَّا عابِرِي) أي : مجتازي (سَبِيلٍ) أي : طريق أو مسافرين (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) أي : فلكم أن تصلوا ، واستثناء المسافر له حكم آخر سيأتي.
وفي هذا دليل على أن التيمم لا يرفع الحدث ؛ لأنه غياه بقوله : (حتى تغتسلوا) ومن فسر الصلاة بمواضعها فسر عابري سبيل بالمجتازين فيها وجوّز للجنب عبور المسجد ، وبه قال الشافعيّ رضي الله تعالى عنه ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز له المرور إلا إذا كان فيه الماء أو الطريق إلى الماء (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) أي : مرضا يخاف معه من استعمال الماء فإنّ الواجد كالفاقد (أَوْ عَلى سَفَرٍ) أي مسافرين وأنتم جنب أو محدثون (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) أي : أحدثتم بخروج الخارج من أحد السبيلين ، والغائط المكان المطمئن من الأرض تقضي فيه الحاجة سمي باسمه الخارج للمجاورة (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ،) قرأ حمزة والكسائيّ بغير ألف بين اللام والميم والباقون بألف ، واختلف في معنى اللمس والملامسة فقال قوم : هما التقاء البشرتين سواء أكان بجماع أم بغيره ، وهو قول ابن مسعود وابن عمر والشعبي والنخعي وبه استدلّ الشافعيّ رضي الله تعالى عنه أنّ اللمس ينقض الوضوء ، وقال قوم : هما المجامعة وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة كني باللمس عن الجماع ؛ لأنّ باللمس يوصل إلى الجماع (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) تطهرون به للصلاة بعد الطلب ؛ لأنه لا يسمى غير واجد إلا بعد الطلب وهذا راجع إلى ما عدا المرض (فَتَيَمَّمُوا) أي : بعد دخول الوقت (صَعِيداً طَيِّباً) أي : ترابا طاهرا أي : طهورا أمّا المرضى فيتيممون مع حضور الماء ؛ لأنّ وجوده بالنسبة إليهم كالعدم (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) مع المرفقين منه بضربتين كما ثبت في الحديث وقال الزجاج : الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره وإن كان صخرا لا تراب عليه لو ضرب المتيمم يده عليه ومسح لكان ذلك طهوره ، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة رحمهالله تعالى وأجاب عن قوله تعالى في آية المائدة : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) [المائدة : ٦] أي : بعضه وهو لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه بأنّ من لابتداء الغاية ، قال الزمخشريّ : وقولهم : إنها لابتداء الغاية فيه تعسف ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسي من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض ، قال : والإذعان للحق أحق من المراء ،
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الأشربة حديث ٣٦٧١ ، والترمذي في التفسير حديث ٣٠٢٦.
(٢) أخرجه البخاري في الوضوء حديث ٢١٢ ، ومسلم في المسافرين حديث ٧٨٦ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٣١٠ ، والترمذي في الصلاة حديث ٣٥٥ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٣٧٠.