والتيمم من خصائص هذه الأمّة.
روي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء» (١) وكان بدء التيمم ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلىاللهعليهوسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ فجاء أبو بكر ورسول الله صلىاللهعليهوسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال : حبست رسول الله صلىاللهعليهوسلم والناس على ماء وليس معهم ماء؟ فعاتبني أبو بكر وقال : ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرّك إلا مكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم على فخذي ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أصبح على غير ماء ، فأنزل الله آية التيمم ، فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء : ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر ، فقالت عائشة : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته» (٢).
وفي رواية أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ناسا من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء ، فلما أتوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم شكوا ذلك إليه فنزلت ، فقال أسيد ابن حضير : جزاك الله خيرا فو الله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) كناية عن الترخيص والتيسير ؛ لأنّ من كانت عادته أن يعفو عن الخطائين ويغفر لهم آثر ما كان ميسورا غير معسر.
(أَلَمْ تَرَ) أي : تنظر (إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً) أي : حظا يسيرا (مِنَ الْكِتابِ) أي : من علم التوراة وهم أحبار اليهود (يَشْتَرُونَ) أي : يختارون (الضَّلالَةَ) على الهدى (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا) أيها المؤمنون (السَّبِيلَ) أي : تخطئون طريق الحق لتكونوا مثلهم.
(وَاللهُ أَعْلَمُ) منكم (بِأَعْدائِكُمْ) فيخبركم بهم لتجتنبوهم ولا تستصحبوهم فإنهم أعداؤكم (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) أي : حافظا (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) أي : مانعا لكم من كيدهم.
وقوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) بيان للذين أوتوا نصيبا من الكتاب ؛ لأنهم يهود ونصارى وقوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) جمل توسطت بين البيان والمبين على سبيل الاعتراض أو بيان لأعدائكم وما بينهما اعتراض أو صلة لنصيرا أي : ينصركم من الذين هادوا كقوله تعالى : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [الأنبياء ، ٧٧] أو خبر مبتدأ محذوف صفته (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي : ومن الذين هادوا قوم يحرّفون أي : يغيرون الكلم الذي أنزل في التوراة من نعت محمد صلىاللهعليهوسلم عن مواضعه التي وضع عليها بإزالته عنها وإثبات غيره فيها ، وفي المائدة (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) [المائدة ، ٤١] والمعنيان متقاربان ، قال ابن عباس : كانت اليهود يأتون رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيسألونه عن الأمر فيخبرهم ويرى أنهم يأخذون بقوله ، فإذا انصرفوا من عنده حرّفوا كلامه (وَيَقُولُونَ) للنبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا أمرهم (سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك
__________________
(١) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٥٢٢.
(٢) أخرجه البخاري في التيمم حديث ٣٣٤ ، ومسلم في الحيض حديث ٣٦٧ ، والنسائي في الطهارة حديث ٣١٠.