أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥))
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أي : طردهم وأبعدهم من رحمته (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) أي : مانعا يمنع العذاب عنه بشفاعة أو غيرها.
(أَمْ) منقطعة أي : بل (لَهُمْ نَصِيبٌ) أي : حظ (مِنَ الْمُلْكِ) ومعنى الهمزة إنكار أن يكون لهم شيء من الملك وجحد لما زعمت اليهود من أنّ الملك سيصير لهم ولو كان لهم نصيب منه (فَإِذاً) أي : فيتسبب عن ذلك أنهم (لا يُؤْتُونَ النَّاسَ) أي : واحدا منهم (نَقِيراً) ومرّ أنه النقرة في ظهر النواة ، وهو مثل في القلة كالفتيل والقطمير ، والمراد بالملك إما ملك الدنيا وإما ملك الله كقوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) [الإسراء : ١٠٠] وهذا مبالغة في شحهم فإنهم بخلوا بالنقير وهم ملوك فما ظنك بهم إذا كانوا أذلاء منقادين ويصح أن يكون معنى الهمزة في أم لإنكار أنهم قد أوتوا نصيبا من الملك وكانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كما تكون أحوال الملوك وإنهم لا يؤتون أحدا مما يملكون شيئا.
(أَمْ) أي : بل (يَحْسُدُونَ النَّاسَ) أي : محمدا صلىاللهعليهوسلم الذي جمع فضائل الناس الأوّلين والآخرين (عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي : من النبوّة والكتاب والنصرة والإعزاز وكثرة النساء أي : يتمنون زواله عنه ويقولون : لو كان نبيا لاشتغل عن النساء (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ) وهو جدّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ومن آل إبراهيم موسى وداود وسليمان (الْكِتابَ) أي : ما أنزل إليهم (وَالْحِكْمَةَ) أي : النبوّة (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) فلا يبعد أن يؤتيه الله تعالى مثل ما آتاهم فكان لداود تسع وتسعون امرأة وكان لسليمان ألف وثلاثمائة حرّة وسبعمائة سريّة.
وقيل : المراد بالناس الناس جميعا ، وقيل : العرب. وحسدوهم لأنّ النبيّ الموعود منهم وقيل : النبيّ وأصحابه لأنّ من حسد على النبوّة فكأنما حسد الناس كلهم على كمالهم ورشدهم.
(فَمِنْهُمْ) أي : اليهود (مَنْ آمَنَ بِهِ) أي : بمحمد صلىاللهعليهوسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ) أي : أعرض (عَنْهُ) فلم يؤمن به (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) أي : عذابا لمن لم يؤمن.
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ) أي : ندخلهم (ناراً) كالبيان والتقرير لذلك (كُلَّما نَضِجَتْ) أي : احترقت (جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى.
روي أنّ هذه الآية قرئت عند عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال عمر للقارىء : أعدها فأعادها وكان عنده معاذ بن جبل فقال معاذ : عندي تفسيرها : يبدله الله تعالى في ساعة مائة مرّة قال عمر : هكذا سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال الحسن : تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرّة كلما أكلتهم قيل لهم : عودوا فيعودون كما كانوا.
فإن قيل : كيف تعذب جلود لم تكن في الدنيا ولم تعص؟ أجيب : بأن المعاد إنما هو الجلد الأوّل وإنما قال : جلودا غيرها لتبدل صفتها كما تقول : صنعت من خاتمي خاتما غيره فالخاتم الثاني هو الأوّل لا أنّ الصناعة والصفة تبدلت.
روي أنّ ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع.