وأمي منهم وإنما ذكر الولدان مبالغة في الحث وتنبيها على تناهي المشركين بحيث بلغ أذاهم الولدان وإن دعوتهم أجيبت بسبب مشاركتهم في الدعاء حتى يشاركوا في استنزال الرحمة واستدفاع البلية. وقيل : المراد بهم العبيد والإماء وهم جمع وليد (الَّذِينَ يَقُولُونَ) أي : داعين يا (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) أي : بالكفر (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ) أي : من عندك (وَلِيًّا) يتولى أمرنا (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) يمنعنا منهم وقد استجاب الله تعالى دعاءهم فيسر لبعضهم الخروج إلى المدينة ، وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة له صلىاللهعليهوسلم فتولاهم ونصرهم ، ثم استعمل عليهم عتاب بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعز أهلها ، وكان حينئذ ابن ثمان عشرة سنة ، والقرية مكة ، والظالم صفتها ، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه ، فإن اسم الفاعل أو المفعول إذا جرى على غير من هو له كان كالفعل يذكر ويؤنث على حسب ما عمل فيه.
(الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : في طاعته الله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) أي : في طاعة الشيطان (فَقاتِلُوا) أيها المؤمنون (أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ) أي : حزبه وجنوده وهم الكفار (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ) أي : مكره بالمؤمنين (كانَ ضَعِيفاً) بالإضافة إلى كيد الله تعالى بالكافرين لا يعتدّ به ، فلا تخافوا أولياءه فإن اعتمادهم على أضعف شيء أوهنه كما فعل الشيطان يوم بدر لما رأى الملائكة خاف أن تأخذه فهرب وخذلهم.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) أي : عن قتال الكفار ، وهم جماعة من الصحابة كانوا يلقون من المشركين أذى كثيرا قبل أن يهاجروا ويقولون : يا رسول الله ائذن لنا في قتالهم فإنهم قد آذونا ، فيقول لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كفوا أيديكم فإني لم أؤمر بقتالهم» (١)(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ.) فلما هاجروا إلى المدينة وأمرهم الله تعالى بقتال المشركين شق ذلك على بعضهم كما قال تعالى : (فَلَمَّا كُتِبَ) أي : فرض (عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) قرأ أبو عمرو بكسر الهاء والميم في الوصل وحمزة والكسائي بضم الهاء والميم في الوصل ، وأمّا الوقف فالجميع يسكنون الميم ، وحمزة بضم الهاء على أصله ، وكسرها الباقون (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ) أي : يخافون (النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ) أي : كخشيتهم من الله (أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) من خشيتهم له.
تنبيه : نصب أشدّ على الحال ، وجواب لما دل عليه إذا وما بعدها أي : فاجاءتهم الخشية (وَقالُوا) جزعا من الموت (رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا) أي : هلا (أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) وهو الموت أي : هلا تركتنا حتى نموت بآجالنا ، واختلفوا في هؤلاء الذين قالوا ذلك فقيل : قاله قوم من المنافقين ؛ لأن قوله : (لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) لا يليق بالمؤمنين؟ وقيل : قاله جماعة من المؤمنين لم يكونوا راسخين في العلم قالوه خوفا وجبنا لا اعتقادا ، ثم تابوا ، وأهل الإيمان يتفاضلون فيه ، وقيل : هم قوم كانوا مؤمنين فلما كتب عليهم القتال نافقوا من الجبن وتخلفوا عن الجهاد ، وقرأ البزي في الوقف (لمه) بهاء بعد الميم بخلف عنه ، والباقون بالميم بغير هاء والهاء ساقطة في الوصل للجميع (قُلْ) لهم يا محمد (مَتاعُ الدُّنْيا) أي : ما يتمتع به فيها والاستمتاع بها (قَلِيلٌ) أي : آيل إلى الزوال (وَالْآخِرَةُ) أي : ثوابها وهو الجنة والنظر إلى الله تعالى (خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) عقاب الله بترك معاصيه.
__________________
(١) أخرجه النسائي في الجهاد حديث ٣٠٨٦.