وقيل : إلا بمعنى ولا ، أي : ليس له قتله في حال من الأحوال ولا خطأ نظير قوله تعالى : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) [النمل ، ١٠ ـ ١١] وقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [البقرة ، ١٥٠] (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) كأن قصد رمي غيره كصيد أو شجر فأصابه (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أي : فعليه أي : فواجبه تحرير رقبة كاملة الرق فلا يجزىء مكاتب كتابة صحيحة ولا أم ولد والتحرير الإعتاق ويعبر عن النسمة بالرقبة كما يعبر عنها بالرأس (مُؤْمِنَةٍ) أي : محكوم بإسلامها وإن كانت صغيرة ولو كان إسلامها بتبعية الدار أو السابي سليمة عما يخلّ بالعمل (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ) أي : مؤدّاة (إِلى أَهْلِهِ) أي : ورثة المقتول يقتسمونها كسائر المواريث (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) أي : يتصدّقوا بها عليه بأن يعفوا عنها ، وسمي العفو عنها صدقة حثا عليه وتنبيها على فضله ، قال صلىاللهعليهوسلم : «كل معروف صدقة» (١).
وبينت السنة أنّ ديّة الخطأ مئة من الإبل عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة ، وإن عاقلة القاتل تتحملها عنه وهم عصبيته لا أصله وفرعه موزعة عليهم على ثلاث سنين على الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربع دينار كل سنة فإن لم يفوا فمن بيت المال ، فإن تعذر فعلى الجاني (فَإِنْ كانَ) أي : المقتول : (مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) أي : محاربين (وَهُوَ) أي : والحال أنه (مُؤْمِنٌ) أي : ولم يعلم القاتل إيمانه (فَتَحْرِيرُ) أي : فالواجب على القاتل تحرير (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ولا دية تسلم إلى أهله إذ لا وراثة بينه وبينهم ؛ لأنهم محاربون (وَإِنْ كانَ) أي : المقتول (مِنْ قَوْمٍ) أي : كفرة أيضا عدوّ لكم (بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) أي : عهد كأهل الذمّة وهو كافر مثلهم (فَدِيَةٌ) أي : فالواجب فيه دية (مُسَلَّمَةٌ) أي : مؤدّاة (إِلى أَهْلِهِ) وهي ثلث دية المؤمن إن كان نصرانيا أو يهوديا تحل مناكحته ، وثلثا عشرها إن كان مجوسيا أو كتابيا لا تحلّ مناكحته (وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) على قاتله (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي : الرقبة بأن فقدها وما يحصلها به (فَصِيامُ) أي : فالواجب عليه صيام (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) حتى لو أفطر يوما واحدا لغير حيض أو نفاس وجب الاستئناف ، ولم يذكر تعالى الانتقال إلى الطعام كالظهار ، وبه قال الشافعيّ رضي الله تعالى عنه في أصح قوليه وقوله تعالى : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) نصب على المصدر أي : وتاب عليكم توبة ، أو على المفعول له أي : وشرع لكم ذلك توبة مأخوذة من تاب الله عليه إذا قبل توبته (وَكانَ اللهُ) أي : ولم يزل (عَلِيماً) أي : بأحوالكم وبما يصلحكم في الدنيا والآخرة (حَكِيماً) فيما دبره لكم من نصب الزواجر بالكفارات أو غيرها فالزموا أوامره وباعدوا زواجره لتفوزوا بالعلم والحكمة.
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) بأن يقصد قتله بما يقتل غالبا عالما بإيمانه (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) أي : أبعده من رحمته (وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) في النار وهذا مخصوص بالمستحلّ له كما قاله عكرمة وغيره ، ويؤيده أنّ الآية نزلت في مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشاما قتيلا في بني النجار ولم يظهر قاتله فأمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يدفعوا إليه ديته فدفعوا إليه ، ثم حمل على مسلم فقتله ورجع إلى مكة مرتدّا والمراد من الآية التغليظ كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران ، ٩٧] تفسير من كفر بمن لم يحج ، وكقوله صلىاللهعليهوسلم للمقداد : «لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦٠٢١ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٠٠٥ ، وأبو داود في الأدب حديث ٤٩٤٧ ، والترمذي في البر حديث ١٩٧٠.