بمنزلته قبل أن تقول الكلمة التي قال» (١) أو إنّ هذا جزاؤه إن جوزي ولا بدع في خلف الوعيد لقوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء ، ٤٨] أو المراد بالخلود المكث الطويل فإنّ الدلائل متظاهرة على أنّ عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم ولهذا لم يذكر في الآية أبدا ، وما روي عن ابن عباس أنه قال : «لا تقبل توبة قاتل المؤمن عمدا» (٢) كما رواه الشيخان أراد به التشديد كما قاله البيضاويّ إذ روي عنه خلافه رواه البيهقي في سننه ، وبينت آية البقرة إن قاتل العمد يقتل به وإنّ عليه الدية إن عفي عنه وسبق قدرها وبينت السنة أنّ بين العمد والخطأ قتلا يسمى شبه العمد وهو أن يقتله بما لا يقتل غالبا ، فلا قصاص فيه بل فيه دية كالعمد في الصفة والخطأ في التأجيل والحمل وهو أي : العمد أولى بالكفارة من الخطأ.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ) أي : سافرتم للجهاد (فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا.)
روي أنّ سرية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم غزت أهل فدك فهربوا وبقي رجل يقال له : مرداس ، لأنه كان على دين المسلمين فلما رأى الخيل خاف أن يكونوا من غير أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد هو إلى الجبل فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون فلما سمع التكبير علم أنهم من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكبر ونزل وهو يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله السّلام عليكم فتغشاه أسامة بن زيد فقتله واستاق غنمه فنزلت ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخبروه فوجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك وجدا شديدا وقد كان سبقهم قبل ذلك الخبر فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قتلتموه إرادة ما معه» ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية على أسامة بن زيد فقال : يا رسول الله استغفر لي فقال : «وكيف بلا إله إلا الله؟» قال أسامة : فما زال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكرّرها عليّ حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ، ثم إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم استغفر لي ثلاث مرّات وقال : أعتق رقبة» (٣) ، وقال عكرمة عن ابن عباس قال : مرّ رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه غنم له فسلم عليهم قالوا : ما سلم عليكم إلا ليعوذ منكم فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت.
وقرأ حمزة والكسائي بالثاء المثلثة مكان الباء الموحدة وبالباء الموحدة مكان الياء المثناة تحت وبالتاء المثناة فوق مكان النون فهو من التثبت والباقون من البيان (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) أي : لمن حياكم بتحية الإسلام ، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة بغير ألف بعد اللام من السّلام أي : الاستسلام والانقياد والباقون بالألف (لَسْتَ مُؤْمِناً) وإنما فعلت ذلك متعوّذا (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : تطلبون ماله الذي هو حطام سريع النفاد (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) تغنيكم عن قتل مثله لماله (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أي : أوّل ما دخلتم في الإسلام تفوّهتم بكلمة الشهادة فحصنتم بها أموالكم ودماءكم من غير أن تعلم مواطأة قلوبكم ألسنتكم (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) أي : بالاشتهار بالإيمان والاستقامة في الدين (فَتَبَيَّنُوا) أي : وافعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل الله بكم ولا تبادروا إلى قتلهم ظنا إنهم دخلوا اتقاء وخوفا ، فإن بقاء ألف كافر أهون عند الله من قتل
__________________
(١) أخرجه البخاري في المغازي حديث ٤٠١٩ ، ومسلم في الإيمان حديث ٩٥ ، وأبو داود في الجهاد حديث ٢٦٤٤.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ عند البخاري ومسلم ، وأخرجه الشوكاني في نيل الأوطار ٧ / ٢١١.
(٣) أخرجه البخاري في المغازي حديث ٤٢٢٩ ، ومسلم في الإيمان حديث ٩٦.