تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها» قالوا : يا رسول الله أفلا ننذر الناس بذلك؟ فقال : «إنّ في الجنة مئة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتموه فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة» (١) وإنما يجب الجهاد على كل مسلم مكلف حرّ ذكر مستطيع له وهو فرض كفاية للآية المتقدّمة إذا كان الكفار ببلادهم ويجب على الإمام أن يغزوهم في كل عام مرّة بنفسه أو بنائبه أو بشحن الثغور بما يقاوم العدوّ ، وأمّا إذا دخلوا بلادنا والعياذ بالله تعالى تعين على أهل البلدة وعلى من دون مسافة القصر حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن ، ويجب على من هو في مسافة القصر بقدر الكفاية وإن أسروا مسلما لزمنا النهوض لخلاصه إن رجى وإن لم يدخلوا بلادنا.
ونزل في جماعة أسلموا ولم يهاجروا فلما خرجوا إلى بدر رجعوا معهم فقتلوا مع الكفار.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي : ملك الموت وأعوانه أو ملك الموت وحده كما قال تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة ، ١١] والعرب قد تخاطب الواحد بلفظ الجمع (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) أي : في حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة بالمقام في دار الشرك فإنّ الهجرة كانت واجبة قبل فتح مكة ثم نسخ الوجوب بعد فتحها فقال صلىاللهعليهوسلم : «لا هجرة بعد الفتح» (٢) وقرأ البزيّ بتشديد التاء المثناة فوق من توفاهم في الوصل ، والباقون بالتخفيف ، وأدغم أبو عمرو التاء في الظاء بخلاف عنه ، والباقون بغير إدغام (قالُوا) أي : الملائكة لهم (فِيمَ كُنْتُمْ) أي : في أي شيء كنتم من أمر دينكم ، وقرأ البزيّ (فيمه) بالهاء بعد الميم في الوقف بخلاف عنه (قالُوا) معتذرين مما وبخوا به (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ) أي : عاجزين عن إظهار الدين وإعلاء كلمته (فِي الْأَرْضِ) أي : في أرض مكة (قالُوا) أي : الملائكة تكذيبا لهم وتوبيخا (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) من أرض الكفر إلى بلد أخرى كما فعل غيركم من المهاجرين إلى المدينة والحبشة ، قال تعالى : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) أي : لتركهم الواجب ومساعدتهم الكفار (وَساءَتْ مَصِيراً) أي : جهنم ، وفي الآية دليل على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة دينه ، وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان ما بينهما شبرا استوجبت» أي : وجبت له الجنة ، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد صلىاللهعليهوسلم (٣).
ثم استثنى أهل العذر منهم فقال : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) أي : الذين وجد ضعفهم في نفس الأمر وعدّوا ضعفاء وتقوّى عليهم غيرهم (مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) ثم بين ضعفهم بقوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) أي : لا قوّة لهم على الهجرة ولا نفقة لهم (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) أي : طريقا إلى أرض الهجرة.
(فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ) أي : يتجاوز (عَنْهُمْ) وعسى من الله واجب للإطماع والله
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجهاد باب ٤ ، والترمذي في الجنة باب ٤.
(٢) أخرجه البخاري في الجهاد حديث ٢٧٨٣ ، ومسلم في الإمارة حديث ١٨٦٤ ، والترمذي في السير حديث ١٥٩٠ ، والنسائي في البيعة حديث ٤١٦٩.
(٣) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ٣٩٢.