الزمخشريّ : والشهر الحرام شهر الحج (وَلَا) تحلوا (الْهَدْيَ) أي : بالتعرّض له وهو ما أهدي إلى الحرم من النعم (وَلَا) تحلوا (الْقَلائِدَ) أي : صاحب القلائد من الهدي ، وعبر بها مبالغة في تحريمها أو القلائد أنفسها ، والنهي عن إحلالها مبالغة في النهي عن التعرّض للهدي ، والقلائد جمع قلادة وهي ما قلّد به الهدي من نعل أو غيره ليعلم به أنه هدي فلا يتعرّض له (وَلَا) تحلوا (آمِّينَ) أي : قاصدين (الْبَيْتَ الْحَرامَ) لزيارته أي : بأن تقاتلوهم.
(يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) وهو الثواب (وَرِضْواناً) أي : وأن يرضى عنهم والجملة في موضع الحال من المستكن في آمين ، أي : لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم تعظيما لهم واستنكارا أن يتعرّض لمثلهم ، وقيل : معناه يبتغون من الله رزقا بالتجارة ورضوانا بزعمهم لأنهم كانوا يظنون ذلك فوصفوا به بناء على ظنهم ولأنّ الكافر لا نصيب له في الرضوان كقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان ، ٤٩] قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كان المسلمون والمشركون يحجون جميعا فنهى الله تعالى المسلمين أن يمنعوا أحدا عن حج البيت بقوله تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) فعلى الأوّل الآية محكمة قال الحسن : ليس في المائدة منسوخ ، وعلى الثاني قال البيضاوي : فالآية منسوخة أي : لما فيها من حرمة القتال في الشهر الحرام ، ومن حرمة منع المشركين عن المسجد الحرام والأوّل منسوخ بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة ، ٥] والثاني بقوله تعالى : (يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة ، ٢٨] فقوله : منسوخ منزل على هذا ، لكن إذا قلنا بشمول آمين للمسلمين والمشركين إنما يكون النسخ في حق المشركين خاصة وهو في الحقيقة تخصيص لا نسخ ففي تسميته نسخا تسمح ، وقرأ شعبة بضم الراء والباقون بالكسر.
(وَإِذا حَلَلْتُمْ) أي : من الإحرام وقوله تعالى : (فَاصْطادُوا) أمر إباحة أباح لهم الاصطياد بعد حظره عليهم كأنه قيل : وإذا حللتم فلا جناح عليكم أن تصطادوا كما في قوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) [الجمعة ، ١٠] (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) أي : يحملنّكم أو يكسبنّكم (شَنَآنُ قَوْمٍ) أي : شدّة بغضهم ، وقرأ ابن عامر وشعبة بسكون النون بعد الشين والباقون بنصبها وقوله تعالى : (أَنْ صَدُّوكُمْ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أن الشرطية والباقون بفتحها أي : لأجل أن صدوكم في عام الحديبية أو غيره (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وقوله تعالى : (أَنْ تَعْتَدُوا) أي : يشتد عدوكم عليهم بأن تنتقموا منهم بالقتل وغيره ، ثاني مفعولي يجرمنكم فإنه يتعدّى إلى واحد وإلى اثنين ككسب (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) أي : بفعل ما أمرتم به (وَلا تَعاوَنُوا) فيه حذف إحدى التاءين في الأصل (عَلَى الْإِثْمِ) أي : المعاصي للتشفي (وَالْعُدْوانِ) أي : التعدي في حدود الله للانتقام (وَاتَّقُوا اللهَ) أي : خافوا عقابه بأن تطيعوه (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن خالفه فانتقامه أشد.
وقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) أي : أكلها بيان ما يتلى عليكم والميتة ما فارقته الروح من غير ذكاة شرعية (وَالدَّمُ) أي : المسفوح قال تعالى : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) وكان أهل الجاهلية يصبونه في الأمعاء ويشوونها (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) قال العلماء : الغذاء يصير جزءا من جوهر المتغذي ولا بد أن يحصل للمتغذي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلا في الغذاء ، والخنزير مطبوع على حرص عظيم ورغبة شديدة في المنهيات فحرّم أكله على الإنسان لئلا يتكيّف بتلك الكيفية ، ولذلك إن الفرنج لما واظبوا على أكل لحم الخنزير أورثهم الحرص العظيم والرغبة الشديدة في