الأرض الذي يقضي فيه حاجته الإنسان التي لا بد منها سمي باسمه الخارج للمجاورة. قيل : وفي ذلك حكمة وهي شدة عجز الإنسان ليكف عن إعجابه وكبره وترفعه وفخره كما حكي أنّ بعض الأمراء لقي بعض البله فلم يفسح له فغضب وقال : كأنك لم تعرفني! فقال : بلى والله إني لأعرفك أوّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة ، وقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المدّ والقصر وسهل ورش وقنبل الهمزة الثانية وحقق الباقون الهمزتين معا.
(أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) بالذكر أو غيره أمنيتم أم لا وقرأ حمزة والكسائي بغير ألف بين اللام والميم والباقون بالألف (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) بعد طلبه لفقده حسا أو معنى بالعجز عن استعماله للمرض بجرح أو غيره (فَتَيَمَّمُوا) أي : اقصدوا (صَعِيداً) أي : ترابا (طَيِّباً) أي : طهورا خالصا (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) مع المرفقين (مِنْهُ) بضربتين والباء للإلصاق وبينت السنة أنّ المراد استيعاب العضوين بالمسح وتقدّم مثل هذه الآية في النساء في البيضاوي ، ولعل تكريره ليتصل الكلام في بيان أنواع الطهارة.
(ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ) في الدين (مِنْ حَرَجٍ) أي : ضيق بما فرض عليكم من الوضوء والغسل والتيمم (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) من الأحداث والذنوب فإنّ الوضوء يكفر الذنوب (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) ببيان شرائع الدين (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمه فيثيبكم ، قال البيضاوي : والآية مشتملة على سبعة أمور كلها مثنى طهارتان أصل وبدل والأصل اثنان مستوعب وغير مستوعب وغير المستوعب باعتبار الفعل غسل ومسح وباعتبار المحل محدود وغير محدود وإنّ آلتيهما مائع وجامد وموجبهما حدث أصغر أو أكبر ، وإنّ المبيح للعدول إلى البدل مرض أو سفر ، وإنّ الموعود عليه تطهير الذنوب وإتمام النعمة.
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي : في هدايته لكم إلى الإسلام بعد أن كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، وفي غير ذلك من جميع النعم ليذكركم المنعم ويرغبكم في شكره ، لأنّ كثرة النعم توجب على المنعم عليه الاشتغال بخدمة المنعم والانقياد لأوامره ونواهيه وقال تعالى : (نِعْمَةَ اللهِ) ولم يقل نعم الله ؛ لأنّ هذا الجنس لا يقدر عليه إلا الله لأنّ نعمة الحياة والصحة والعقل والهداية والصون من الآفات وإيصال الخيرات في الدنيا والآخرة لا يعلمه إلا الله تعالى وإن المراد التأمل في هذا النوع من حيث إنه ممتاز عن نعمة غيره.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ) يشعر بسبق النسيان وكيف يعقل نسيانها مع أنها متواترة متوالية علينا في جميع الساعات والأوقات؟ أجيب : بأنها لكثرتها وتعاقبها صارت كالأمر المعتاد فصار غاية ظهورها وكثرتها سببا لوقوعها في محل النسيان (وَ) اذكروا (مِيثاقَهُ) أي : عقده الوثيق (الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) أي : بواسطة رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين بايعكم ليلة العقبة على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره والمنشط : مفعل من النشاط وهو الأمر الذي ينشط له والمكره : مفعل من الكره وهو الأمر الذي تكرهه النفس وأضاف الميثاق الصادر من رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى نفسه كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] وأكد ذلك بأنكم التزمتموه (إِذْ) أي : حين (قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) وفي ذلك تذكير بما أوجب الله له صلىاللهعليهوسلم عليكم من الشكر بهدايته لكم إلى الإسلام ثم حذركم عن نقض تلك العهود بقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي : في ميثاقه أن تنقضوه (إِنَّ اللهَ) الذي له صفات الكمال (عَلِيمٌ) أي : بالغ العلم (بِذاتِ الصُّدُورِ) أي :