أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله» قال ابن المبارك وزادني غيره قال يا رسول الله : أجر خمسين منهم؟ قال : «أجر خمسين منكم» (١).
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ هذه الآية قرئت عنده فقال : إنّ هذا ليس بزمانها إنها اليوم مقبولة ولكن يوشك أن يأتي زمان تأمرون فلا يقبل منكم فحينئذ عليكم أنفسكم فهي على هذا تسلية لمن يأمر وينهى فلا يقبل منه وبسط لعذره وعنه ليس هذا زمان تأويلها قيل : فمتى؟ قال : إذا حال دونها السيف والسوط والحبس.
وروي : «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا فإن لو تفتح عمل الشيطان ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل» (٢). وقيل : كان الرجل إذا أسلم قالوا له : سفهت آباءك ولاموه فنزلت : عليكم أنفسكم وعليكم : من أسماء الفعل بمعنى الزموا أنفسكم ولذلك نصب أنفسكم (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) الضال والمهتدي (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فيجازيكم به ، وفي ذلك وعد ووعيد للفريقين وتنبيه على أنّ أحدا لا يؤاخذ بذنب أحد غيره.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) أي : فيما أمرتم شهادة بينكم فشهادة : مبتدأ خبره محذوف ، قيل : هذه الآية وما بعدها من أشكل آي القرآن حكما وإعرابا وتفسيرا والمراد بالشهادة الإشهاد بالوصية.
وقيل : المراد بها اليمين بمعنى يمين ما بينكم أن يحلف اثنان ، قال القرطبي : ورد لفظ الشهادة في القرآن على أنواع مختلفة بمعنى الحضور قال تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة ، ١٨٥] وبمعنى قضى قال تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران ، ١٨] وبمعنى أقرّ قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) [النساء ، ١٦٦] وبمعنى حكم قال تعالى : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) [يوسف ، ٢٦] وبمعنى حلف قال تعالى : (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ) [النور ، ٦] وبمعنى وصى قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي : أسبابه (حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وهذا خبر بمعنى الأمر أي : ليشهد وإضافة شهادة ل «بين» على الاتساع و (حين) بدل من إذا أو ظرف لحضر واثنان فاعل شهادة أو خبر مبتدأ محذوف أي : الشاهدان اثنان وقوله تعالى : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) عطف على (اثنان) ومن فسر الغير بأهل الذمّة جعله منسوخا فإنّ شهادته على المسلم لا تسمع إجماعا ، وقد اتفق الأكثرون على أنه لا نسخ في سورة المائدة ، وعن مكحول نسخها قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق ، ٢] وإنما جازت في أوّل الإسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر.
(إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ) أي : سافرتم (فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) أي : قاربتم الأجل وقوله تعالى : (تَحْبِسُونَهُما) أي : توقفونهما وتصبرونهما صفة لآخران (مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) أي : صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس وتصادم ملائكة الليل وملائكة النهار. وقيل : أيّ صلاة كانت (فَيُقْسِمانِ) أي : يحلفان (بِاللهِ) وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ اليمين إنما تكون إذا
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الملاحم حديث ٤٣٤١ ، والترمذي في التفسير حديث ٣٠٥٨ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٤٠١٤.
(٢) أخرجه مسلم في القدر حديث ٢٦٦٤ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ٧٩.