(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) أي : اشكرها منصوب بإضمار اذكر ، وقيل : بدل من يوم يجمع وهو على طريقة : ونادى أصحاب الجنة ، والمعنى أنه تعالى يوبخ الكفرة يومئذ بسؤال الرسل عن إجابتهم وتعديد ما أظهروا عليهم من الآيات فكذبتهم طائفة وسموهم سحرة وغلا آخرون فاتخذوهم آلهة وقوله تعالى : (إِذْ أَيَّدْتُكَ) أي : قوّيتك ظرف ل (نعمتي) أو حال منه (بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي : جبريل عليهالسلام فكان له في الصغر حفظ لم يكن لغيره.
وقوله تعالى : (تُكَلِّمُ النَّاسَ) حال من الكاف في أيدتك (فِي الْمَهْدِ) أي : طفلا (وَكَهْلاً) أي : تكلمهم في الطفولية والكهولة على السواء والمعنى : إلحاق حاله في الطفولية بحال الكهول في كمال العقل والتكلم به ، وبه استدل على أنه ينزل قبل الساعة ؛ لأنه رفع قبل الكهولة كما سبق في آل عمران (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ) أي : الخط الذي هو مبدأ العلم (وَالْحِكْمَةَ) أي : الفهم لحقائق الأشياء والعمل بما يدعو إليه العلم (وَالتَّوْراةَ) أي : المنزلة على موسى صلىاللهعليهوسلم (وَالْإِنْجِيلَ) أي : المنزل عليك (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) أي : هذا الجنس (كَهَيْئَةِ) أي : كصورة (الطَّيْرِ) والكاف اسم بمعنى مثل مفعول (بِإِذْنِي) أي : بأمري (فَتَنْفُخُ فِيها) أي : في الصورة المهيأة (فَتَكُونُ) تلك الصورة التي هيأتها (طَيْراً بِإِذْنِي) أي : بإرادتي ، وقرأ نافع بالمدّ بعد الطاء وبعد الألف همزة مكسورة وورش يرقق الراء على أصله والباقون بياء ساكنة بعد الطاء (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي) وسبق تفسيرهما في سورة آل عمران (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى) أي : من قبورهم أحياء (بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : اليهود (عَنْكَ) أي : حين هموا بقتلك وقوله تعالى : (إِذْ جِئْتَهُمْ) ظرف ل (كففت) (بِالْبَيِّناتِ) أي : المعجزات (فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ) أي : ما (هذا) الذي جئت به (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي : بيّن ظاهر ، وقرأ حمزة والكسائي بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء إشارة إلى عيسى عليهالسلام ، والباقون بكسر السين وسكون الحاء ولا ألف بعدها إشارة إلى ما جاء به.
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ) أي : بالإلهام باطنا وبإيصال الأوامر على لسانك ظاهرا (إِلَى الْحَوارِيِّينَ) أي : الأنصار (أَنْ) أي : بأن (آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) عيسى صلىاللهعليهوسلم (قالُوا آمَنَّا) بهما (وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) أي : منقادون أتم انقياد.
وقوله تعالى : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ) منصوب ب (اذكر). وقيل : ظرف ل (قالوا) فيكون تنبيها على أنّ ادعاءهم الإخلاص مع قولهم : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) قرأ الكسائي بالتاء على الخطاب وإدغام لام هل فيها على أصله ، وفتح الباء الموحدة من ربك أي : هل تستطيع ربك أي : سؤال ربك والمعنى : هل تسأل ذلك من غير صارف؟ وقرأ الباقون بالياء على الغيبة ورفع الباء أي : يجيبك ربك إذا سألته (أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً) وهي الطعام ويقال أيضا للخوان إذا كان عليه الطعام ، والخوان : شيء يوضع عليه الطعام للأكل هو في العموم بمنزلة السفرة لما يوضع فيه طعام المسافر بالخصوص ، وقال أهل الكوفة : سميت مائدة لأنها تميد بالآكلين أي : تميل ، وقال أهل البصرة فاعلة بمعنى مفعولة أي : تميد أيدي الآكلين إليها كقولهم : عيشة راضية أي : مرضية ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون النون وتخفيف الزاي والباقون بفتح النون وتشديد الزاي وقولهم : (مِنَ السَّماءِ) أي : لا صنع للآدميين فيها لنختص بها عمن تقدّمنا من الأمم لم يكن بعد عن تحقيق واستحكام معرفة (قالَ) عيسى عليه الصلاة والسّلام مجيبا لهم (اتَّقُوا اللهَ) أن تسألوه شيئا لم