وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨))
(الْحَمْدُ) هو الوصف بالجميل ثابت (لِلَّهِ) وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما احتمالات قال الجلال المحلي في سورة الكهف : أفيدها الثالث ، وتقدّم الكلام على الحمد لغة واصطلاحا في أوّل الفاتحة ، وقال كعب الأحبار : هذه الآية أوّل آية في التوراة وآخر آية في التوراة (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) [الإسراء ، ١١١] إلى آخر الآية. وفي رواية أن آخر آية في التوراة آخر سورة هود ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : افتتح الله الخلق بالحمد فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وختم بالحمد فقال تعالى : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الزمر ، ٧٥] وقال أهل المعاني : لفظ الحمد لله خبر ومعناه الأمر أي : احمدوا الله وإنما جاء على صيغة الخبر وفيه معنى الأمر لأنه أبلغ في البيان من حيث إنه جمع الأمرين ، ولو قيل : احمدوا الله لم يجمع الأمرين فكان قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أبلغ وإنما خص السموات والأرض بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما ترى العباد لأنّ السماء بغير عمد ترونها فيها العبر والمنافع والأرض مسكن الخلائق وفيها أيضا العبر والمنافع ، وجمع السموات دون الأرض وهي مثلهنّ لأنّ طبقاتها مختلفة الذات متفاوتة الآثار والحركات بالكواكب في سيرها وحركاتها في السرعة والبطء واستتار بعضها ببعض عند الخسوف وغيره وغير ذلك مما هو محرّر عند أهله وقدمها لشرفها قدرا وعظما ، وإن كانت الأرض أشرف من حيث إنها مسكن الأنبياء (وَجَعَلَ) أي : خلق (الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) أي : كل ظلمة ونور وجمعها دونه لكثرة أسبابها والأجرام الحاملة لها إذ ما من جرم إلا وله ظلّ وظلمة بخلاف النور فإنه من جنس واحد وهو النار ولا ترد الأجرام المنيرة كالكواكب لأنّ مرجع كل نير إلى النار على ما قيل : إنّ الكواكب أجرام نورانية نارية وإنّ الشهب منفصلة من نار الكواكب فصح أنّ النور من جنس النار وأن المراد بالظلمة الضلال وبالنار الهدى والهدى واحد والضلال متعدّد وتقديمها لتقدّم الإعدام على الملكات وقوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) عطف على قوله : (خَلَقَ) أي : إنه تعالى خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه ثم الذين كفروا يعدلون بربهم الأوثان أي : يسوونها به في العبادة وعلى هذا ف (يعدلون) من العدل وهو التسوية ، والباء متعلقة بيعدلون أو على قوله : (الحمد لله) على معنى أنّ الله تعالى حقيق بالحمد على ما خلقه وأنعمه من العباد ثم الذين كفروا بربهم يعدلون فيكفرون نعمته ، وعلى هذا ف (يعدلون) من العدول ، والباء متعلقة بكفروا ومعنى (ثم) استبعاد عدولهم بعد وضوح آيات قدرته.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) أي : ابتدأ خلقكم منه فإنه المادّة الأولى ، وإنّ آدم الذي هو