أصل البشر خلق منه أو خلق أباكم فحذف المضاف ، قال السدّي : بعث الله جبريل عليهالسلام إلى الأرض ليأتيه بطائفة منها فقالت الأرض : إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني فرجع جبريل عليهالسلام ولم يأخذ قال : يا رب عاذت بك فبعث ميكائيل عليهالسلام فاستعاذت فرجع فبعث ملك الموت عليهالسلام فعاذت بالله منه فقال : أنا أعوذ بالله أن أخالف أمره فأخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء فلذلك اختلفت ألوان بني آدم ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر فلذلك اختلفت أخلاقهم فقال الله تعالى لملك الموت : رحم جبريل وميكائيل الأرض ولم ترحمها لا جرم أجعل أرواح الخلق من هذا الطين بيدك.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه : خلق الله تعالى آدم عليهالسلام من تراب وجعله طينا ثم تركه حتى كان حمأ مسنونا ثم خلقه وصوّره وتركه حتى كان صلصالا كالفخار ثم نفخ فيه من روحه (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) أي : أجلا لكم تموتون عند انتهائه (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) أي : مضروب (عِنْدَهُ) أي : وهو أجل القيامة ، وقال الحسن : الأوّل : بين وقت الولادة إلى وقت الموت والثاني : من وقت الموت إلى البعث فإن كان الرجل برا تقيا وصولا للرحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر وإن كان فاجرا قاطعا للرحم نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث وذلك قوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) [فاطر ، ١١] وقيل : الأول : النوم ، والثاني : الموت وقيل : الأوّل : لمن مضى ، والثاني : لمن بقي ولمن يأتي (ثُمَّ أَنْتُمْ) أيها الكفار (تَمْتَرُونَ) أي : تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم ومن قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر ومعنى (ثم) استبعاد أيضا كما مرّ لأن يمتروا فيه بعدما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم.
(وَهُوَ اللهُ) الضمير لله والله خبره وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائيّ بسكون الهاء من وهو والباقون بالضم وقوله تعالى : (فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) متعلق بمعنى اسم الله كأنه قيل : هو مستحق العبادة فيهما ومنه قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف ، ٨٤] أو هو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيهما ، وقال الزجاج : فيه تقديم وتأخير تقديره : وهو الله (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ) أي : ما تسرون (وَجَهْرَكُمْ) أي : ما تجهرون به بينكم في السموات والأرض ، وقيل : معناه وهو إله السموات والأرض كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف ، ٨٤] (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) أي : ما تعملون من خير أو شرّ فيثيب عليه أو يعاقب.
فإن قيل : الأفعال إمّا أفعال القلوب وهي المسماة بالسر وإمّا أفعال الجوارح وهي المسماة بالجهر والأفعال لا تخرج عن السرّ والجهر فقوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) يقتضي عطف الشيء على نفسه وهو غير جائز أجيب : بأنّ المراد بالسر ما يخفى وبالجهر ما يظهر من أحوال الأنفس وبالمكتسب أعمال الجوارح فهو كما يقال : هذا المال كسب فلان أي مكتسبه فلا يحمل على نفس الكسب وإلا لزم عطف الشيء على نفسه.
(وَما تَأْتِيهِمْ) أي : الكفار (مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) (من) الأولى مزيدة للاستغراق والثانية للتبعيض أي : ما يظهر لكم دليل قط من الأدلة أو معجزة من المعجزات أو آية من آيات القرآن (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) أي : تاركين لها وبها مكذبين.
(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) أي : بالقرآن وبمحمد صلىاللهعليهوسلم وبما أتى به من المعجزات