شركاء لله تعالى : وأضافها إلى ضميرهم لتسميتهم لها بذلك وقوله تعالى : (الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) معناه كنتم تزعمونهم شركاء وإنها تشفع لكم عند الله فحذف المفعولان.
(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) أي : معذرتهم (إِلَّا أَنْ قالُوا) أي : قولهم (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فيختم على أفواههم وتشهد جوارحهم عليهم بالشرك ، وقرأ حمزة والكسائيّ يكن بالياء على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص فتنتهم بضمّ التاء والباقون بالنصب ، وقرأ حمزة والكسائيّ ربنا بنصب الباء على النداء أو المدح والباقون بالكسر.
قال الله تعالى : (انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) باعتذارهم الباطل وتبريهم من الأصنام والشرك الذي كانوا عليه واستعمالهم الكذب مثل ما كانوا عليه في دار الدنيا وذلك لا ينفعهم (وَضَلَ) أي : غاب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي : يكذبون وهو قولهم : إنّ الأصنام تشفع لهم وتنصرهم فبطل ذلك كله في ذلك اليوم.
فإن قيل : كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور وعلى أنّ الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟ أجيب : بأنّ الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشة ألا تراهم يقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) وقد أيقنوا الخلود ولم يشكوا فيه وقالوا : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزحرف ، ٧٧] وقد علموا أنه لا يقضي عليهم.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) حين تتلو القرآن. روي أنه اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وأبو جهل وأضرابهم يستمعون القرآن فقالوا للنضر : ما يقول محمد؟ فقال : والذي جعلها بيته ـ يعني الكعبة ـ ما أدري ما يقول إلا أنه يحرّك لسانه فيقول أساطير الأوّلين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الماضية وأخبارها فقال أبو سفيان : إني لأرى بعض ما يقول حقا فقال أبو جهل : كلا لا تقرّ بشيء من هذا فأنزل الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي : أغطية (أَنْ) أي : كراهة أن (يَفْقَهُوهُ) أي : يفهموا القرآن (وَ) جعلنا (فِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي : صمما فلا يسمعونه سماع قبول ووجه إسناد الفعل إلى ذاته تعالى وهو قوله تعالى : (وَجَعَلْنا) للدلالة على أنه أمر ثابت فيهم لا يزول عنهم كأنهم مجبولون عليه أو هي حكاية لما كانوا ينطقون به من قولهم : (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت ، ٥] (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ) أي : معجزة من المعجزات الدالة على صدقك (لا يُؤْمِنُوا بِها) لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) أي : بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم جاؤوك يجادلونك ويناكرونك و (حتى) هي التي تقع بعدها الجمل لا عمل لها والجملة إذا وجوابها وهو (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ) أي : ما (هذا إِلَّا أَساطِيرُ) أي : أكاذيب (الْأَوَّلِينَ) أي : أحاديثهم من الأمم الماضية وأخبارهم وأقاصيصهم وما سطروا بمعنى كتبوا والأساطير جمع أسطورة بالضمّ قال البخاريّ عن ابن عباس : وهي الترّهات.
(وَهُمْ يَنْهَوْنَ) الناس (عَنْهُ) أي : اتباع النبيّ صلىاللهعليهوسلم أو القرآن (وَيَنْأَوْنَ) أي : يتباعدون عنه فلا يؤمنون به ، قال محمد ابن الحنفية والسدّي والضحاك : نزلت في كفار مكة وقال ابن عباس ومقاتل في أبي طالب : كان ينهى الناس عن أذى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ويمنعهم وينأى عن الإيمان به أي : يبعد حتى روي أنه اجتمع له رؤوس المشركين وقالوا : خذ شابا من أحسن أصحابنا وجها وادفع إلينا محمدا فقال أبو طالب : ما أنصفتموني أدفع إليكم ولدي لتقتلوه وأربي ولدكم.