(ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : لكانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم بسقوط ثوابها.
(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي : أولئك الذين سميناهم من الأنبياء وهم ثمانية عشر نبيا أعطيناهم الكتاب فالمراد بالكتاب الجنس (وَالْحُكْمَ) أي : العمل المتقن بالعلم (وَالنُّبُوَّةَ) أي : وشرّفناهم بالنبوّة والرسالة (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها) أي : بهذه الثلاثة (هؤُلاءِ) أي : أهل مكة الذين أنت بين أظهرهم (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها) أي : وفقنا للإيمان بها والقيام بحقوقها (قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عليه ، واختلف في ذلك القوم فقال ابن عباس : هم الأنصار وأهل المدينة ، وقال الحسن وقتادة : هم الأنبياء الثمانية عشر الذين تقدّم ذكرهم واختاره الزجاج ، قال : والدليل عليه قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ،) وقال عطاء العطاردي : هم الملائكة ونظر فيه لأنّ اسم القوم لا يطلق إلا على بني آدم ، وقيل : الفرس ، وقيل : هم المهاجرون والأنصار ، واستظهر وقال ابن زيد : كل من لم يكفر فهو منهم سواء أكان ملكا أم نبيا أم صحابيا أم تابعيا ، والمراد بهداهم ما توافقوا عليه من التوحيد وأصول الدين دون الفروع المختلف فيها فإنها ليست هدى مضافا إلى الكل ولا يمكن التأسي بهم جميعا فليس فيه دليل على أنه صلىاللهعليهوسلم متعبد بشرع من قبله ، واستدلّ بعض العلماء بهذه الآية على أنه صلىاللهعليهوسلم أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام قال : وبيانه أنّ جميع الخصال وصفات الشرف كانت متفرّقة فيهم فكان نوح صاحب احتمال على أذى قومه وكان إبراهيم صاحب كرم وبذل مجاهدة في الله عزوجل وكان إسحاق ويعقوب من أصحاب الصبر على البلاء والمحن وكان داود وسليمان من أصحاب الشكر على النعمة كما قال تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) [سبأ ، ١٣] وكان أيوب صاحب صبر على البلاء كما قال تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص ، ٤٤] وكان يوسف قد جمع بين الحالتين أي : الصبر والشكر وكان موسى صاحب الشريعة الظاهرة والمعجزات الباهرة وكان زكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد في الدنيا وكان إسماعيل صاحب صدق وكان يونس صاحب تضرّع وإحسان ثم إنّ الله تعالى أمر نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم أن يقتدي بهم وجمع له جميع الخصال المحمودة والمتفرّقة فثبت بهذا البيان أنه صلىاللهعليهوسلم أفضل الأنبياء لما اجتمع فيه من الخصال التي كانت متفرّقة في جميعهم ، اه.
وقرأ حمزة والكسائيّ بحذف الهاء في الوصل وحرّك الهاء بحركة مختلسة ابن عامر ومدّ على الهاء ابن ذكوان بخلاف عنه وسكن الهاء الباقون في الوصل وأما في الوقف فجميع القراء يثبتون الهاء ويسكنونها (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي : القرآن أو التبليغ (أَجْراً) أي : لا أطلب على ذلك جعلا (إِنْ هُوَ) أي : القرآن أو التبليغ (إِلَّا ذِكْرى) أي : عظة (لِلْعالَمِينَ) أي الإنس والجنّ.
(وَما قَدَرُوا) أي : اليهود (اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي : ما عرفوه حق معرفته أو ما عظموه حق عظمته (إِذْ قالُوا) للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وقد خاصموه في القرآن (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) قال سعيد ابن جبير جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف من أحبار اليهود ورؤسائهم يخاصم النبيّ صلىاللهعليهوسلم بمكة فقال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أنّ الله تعالى يبغض الحبر السمين وكان حبرا سمينا» ـ والحبر بالفتح والكسر وهو أفصح العالم بتحبير الكلام والعلم وتحسينه ، قاله الجوهريّ ـ فغضب فقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء ، فقال له قومه : ويلك ما هذا الذي بلغنا عنك ، فقال : إنه أغضبني ، فنزعوه وجعلوا مكانه كعب بن