الخير واحدا وهو الملك الملهم ، وقيل : سمع ذلك من الملائكة.
(قالَ) الله تعالى لإبليس حين طرده عن بابه ، وأبعده عن جنابه بسبب عصيانه ومخالفته (اخْرُجْ مِنْها) أي : الجنة أو السماء كما مرّ فإنه لا ينبغي أن تسكن فيها (مَذْؤُماً) أي : محقورا ممقوتا (مَدْحُوراً) أي : مبعدا مطرودا عن الرحمة وقوله تعالى : (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) أي : من الناس اللام فيه موطئة للقسم وجوابه (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) وهو سادّ مسدّ جواب الشرط وهو (من تبعك) أي : لأملأن جهنم منك بذريّتك ومن الناس وفيه تغليب الحاضر على الغائب.
(وَيا آدَمُ) أي : وقلنا يا آدم (اسْكُنْ) فهذه القصة معطوفة على قوله تعالى : (قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) وقوله تعالى : (أَنْتَ) تأكيد للضمير في اسكن ليعطف عليه (وَزَوْجُكَ) أي : حواء بالمدّ وذلك بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه وطرده من الجنة (الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) من ثمار الجنة أي : من أيّ مكان شئتما.
فإن قيل : قال تعالى في سورة البقرة : (وَكُلا) [البقرة ، ٣٥] بالواو وهنا بالفاء فما الفرق؟ أجاب الفخر الرازي : بأن الواو تفيد الجمع المطلق والفاء تفيد الجمع على سبيل التعقيب فالمفهوم من الفاء نوع داخل تحت المفهوم من الواو ولا منافاة بين النوع والجنس ففي سورة البقرة ذكر الجنس وهنا ذكر النوع (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) أي : بالأكل منها مشيرا إلى شجرة بعينها أو نوعها وهي الحنطة ، وقيل : شجرة الكرم ، وقيل : غيرهما (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) أي : بالأكل منها أي : فتصيرا بذلك من الذين ظلموا أنفسهم ، وتكونا : يحتمل الجزم عطفا على تقربا والنصب على جواب النهي.
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) أي : إبليس بما مكنه الله تعالى منه من أنه يجري من الإنسان مجرى الدم ويلقي له في سره ما يميل به قلبه إلى ما يريد وهو أحقر وأذلّ من أن يكون له فعل وإنما الكل بيد الله سبحانه وتعالى وهو الذي جعله آلة لمراده منه ومنهم فإن (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف ، ١٧٨] ثم بين علة الوسوسة بقوله تعالى : (لِيُبْدِيَ) أي : ليظهر (لَهُما ما وُورِيَ) أي : ستر وغطي (عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) أي : عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وفيه دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوجة من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع قالت عائشة رضي الله عنها : «ما رأيت منه صلىاللهعليهوسلم ولا رأى مني» (١) أي : الفرج.
(وَقالَ) أي : إبليس لآدم وحواء (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) أي : عن الأكل منها (إِلَّا أَنْ) أي : كراهة أن (تَكُونا مَلَكَيْنِ) أي : في عدم الشهوة وفي القدرة على الطيران والتشكل وغير ذلك من خواصهم (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) أي : الذين لا يموتون ولا يخرجون من الجنة أصلا كما في آية أخرى (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه ، ١٢٠] (وَقاسَمَهُما) أي : أقسم لهما بالله على ذلك وأخرجه على زنة المفاعلة للمبالغة ، وقيل : أقسما له بالقبول ، وقيل : أقسما عليه بالله أنه لهما لمن الناصحين فأقسم لهما (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) فجعل ذلك مقاسمة وقال قتادة : حلف لهما بالله حين خدعهما ـ وقد يخدع المؤمن بالله تعالى ـ فقال : إني
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.