والكسائي بكسر الكاف والباقون بالضم. (قالُوا) أي : قال بعضهم لبعض : لأنه كان مع موسى السبعون المختارون وكان فيهم من يرتفع عن مثل هذا السؤال الباطل وهو قولهم : (يا مُوسَى) سموه كما ترى باسمه جفاء وغلظة (اجْعَلْ لَنا إِلهاً) أي : صنما نعتكف عليه وهذا يدل على غاية جهلهم وذلك أنهم توهموا أنه يجوز عبادة غير الله تعالى بعدما رأوا الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته وهي الآيات التي توالت على قوم فرعون حتى أغرقهم الله تعالى في البحر بكفرهم وهو عبادتهم غير الله سبحانه وتعالى فحملهم جهلهم إلى أن قالوا لنبيهم موسى عليهالسلام : اجعل لنا إلها (كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) وفي ذلك تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم مما رأى من بني إسرائيل بالمدينة تذكرة لحال الإنسان وأنه ظلوم جهول كنود إلا من عصمه الله (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ ، ١٣] (قالَ) موسى ردّا عليهم (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وصفهم بالجهل المطلق وأكده لبعد ما صدر عنهم بعدما رأوا من الآيات العظمى والمعجزة الكبرى لأنه جهل أعظم مما رأى منهم وأشنع.
(إِنَّ هؤُلاءِ) أي : القوم (مُتَبَّرٌ) أي : هالك مدمر (ما هُمْ فِيهِ) أي : إنّ الله تعالى يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضا (وَباطِلٌ) أي : مضمحل (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : من عبادتها وإن قصدوا بها التقرب إلى الله تعالى لأن الاشتغال بعبادة غير الله يزيل معرفة الله تعالى من القلب ، والمقصود من العبادة رسوخ معرفة الله تعالى في القلب ، فكان هذا ضدا للغرض ونقيضا للمطلوب.
(قالَ) موسى عليهالسلام مجيبا لهم على سبيل الإنكار عليهم والتعجب (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) وأصله : أبغي لكم أي : أطلب لكم معبودا (وَهُوَ) أي : والحال أنه هو وحده (فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) إذ الإله ليس شيئا يطلب ويلتمس ويتخذ بل الإله هو الذي يكون قادرا على الإنعام بالإيجاد وإعطاء الحياة وجميع النعم فهذا الموجود هو الإله الذي يجب على الخلق عبادته فكيف يجوز العدول عن عبادته إلى عبادة غيره وفي تفضيلهم على العالمين قولان : الأوّل : أنه تعالى فضلهم على عالمي زمانهم إلا ما يخصه العقل من الأنبياء والملائكة ، والثاني : أنه تعالى خصهم بتلك الآيات القاهرة ولم يحصل مثلها لأحد من العالمين وإن كان غيرهم فضلهم بسائر الخصال مثاله : رجل يعلم علما واحدا وآخر يعلم علوما كثيرة سوى ذلك العلم فصاحب العلم الواحد مفضل على صاحب العلوم الكثيرة بذلك العلم في الحقيقة.
(وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي : واذكروا صنعه معكم في هذا الوقت وقرأ ابن عامر بحذف الياء والنون والباقون بإثباتهما وقوله تعالى : (يَسُومُونَكُمْ) أي : يكلفونكم ويذيقونكم (سُوءَ الْعَذابِ) أي : أشدّه استئناف لبيان ما أنجاهم أو حال من المخاطبين أو من آل فرعون أو منهما وقوله تعالى : (يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ) أي : يستبقون (نِساءَكُمْ) بدل من يسومونكم سوء العذاب (وَفِي ذلِكُمْ) أي : الإنجاء أو العذاب (بَلاءٌ) أي : نقمة أو محنة (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي : أفلا تتعظون وتنتهون عما قلتم.
(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) نكلمه عند انتهائها بأن يصوم أيامها ، روي أنّ موسى عليهالسلام وعد بني إسرائيل بمصر أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب من الله تعالى فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك سأل ربه فأمر بصوم ثلاثين وهو شهر ذي القعدة فصامه فلما تمت أنكر خلوف فمه فتسوّك فقالت الملائكة : كنا نشم منك رائحة المسك فأفسدته بالسواك ، وقيل : أوحى الله تعالى إليه أما علمت أنّ خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فأمره الله تعالى بعشرة أخرى