القيامة بالساعة لوقوعها بغتة ، أو لأنّ حساب الخلق يقضي فيها في ساعة واحدة فسميت بالساعة لهذا السبب ، أو لأنها على طولها عند الله تعالى كساعة واحدة ، وقوله تعالى : (أَيَّانَ) سؤال استفهام عن الوقت الذي تقوم فيه الساعة ومعناه متى (مُرْساها) قال ابن عباس منتهاها والمرسى هنا مصدر بمعنى الإرساء كقوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) [هود ، ٤١] أي : إجراؤها وإرساؤها ، والإرساء الإثبات يقال : رسا يرسو إذا ثبت قال الله تعالى : (وَالْجِبالَ أَرْساها) [النازعات ، ٣٢] (قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّما عِلْمُها) أي : متى تكون (عِنْدَ رَبِّي) أي : لا يعلم الوقت الذي تقوم فيه الساعة إلا الله تعالى استأثر الله تعالى بعلمها ، فلم يطلع عليه أحدا من خلقه ، ولهذا لما سأل جبريل عليهالسلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : متى الساعة ، فقال عليه الصلاة والسّلام : «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» (١) قال المحققون : والسبب في إخفاء الساعة عن العباد أنهم إذا لم يعلموا متى تكون ، كانوا على حذر منها ، فيكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية ، ثم إنه تعالى أكد هذا المعنى فقال : (لا يُجَلِّيها) أي : يظهرها (لِوَقْتِها) أي : في وقتها المعين ، فاللام بمعنى في وهو أولى من قول البيضاوي إنها للتأقيت (إِلَّا هُوَ) أي : لا يقدر على إظهار وقتها المعيّن بالإعلام والإخبار إلا هو (ثَقُلَتْ) أي : عظمت (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : ثقل أمرها وخفي علمها على أهل السموات والأرض ، وكل شيء خفي فهو ثقيل شديد ، وقال الحسن : إذا جاءت ثقلت وعظمت على أهل السموات والأرض ، وإنما ثقلت عليهم ؛ لأنّ فيها فناءهم وموتهم ، وذلك ثقيل على القلوب وقوله تعالى : (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) تأكيد أيضا لما تقدّم وتقرير لكونها بحيث لا تجيء إلا فجأة على حين غفلة من الخلق.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومنّ الساعة والرجل قد رفع الأكلة إلى فيه فلا يطعمها ، ولتقومنّ الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه» (٢) اللقحة بفتح اللام وكسرها الناقة القريبة العهد بالنتاج وقوله : يليط حوضه ، ويروى : يلوط حوضه أي : يطينه ويصلحه ، يقال : لاط حوضه يليطه ويلوطه إذا طينه ، والأكلة بضمّ الهمزة اللقمة. وفي رواية «أنّ الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقوم بسلعته في سوقه ، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه» (٣) ، رواه بمعناه الشيخان. (يَسْئَلُونَكَ) أي : يسألك قومك عن الساعة (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) أي : عالم بها من قولهم : أحفيت في المسألة إذا بالغت في السؤال عنها حتى علمتها ، وقيل : الحفي البارّ اللطيف ومنه قوله سبحانه وتعالى : (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) [مريم ، ٤٧] أي : بارّا لطيفا مجيب دعائي إذا دعوته أي : يسألونك كأنك بارّ بهم لطيف العشرة معهم ، وهذا قول الحسن ويؤيده ما روي في تفسيره : أنّ قريشا قالت لمحمد صلىاللهعليهوسلم : إنّ بيننا وبينك قرابة فاذكر لنا متى الساعة.
والمعنى يسألونك عنها كأنك حفيّ فتحفى بهم أي : فتخصهم لأجل قرابتك بتعليم وقتها ، وتروي علمها عن غيرهم ولو أخبرت بوقتها لمصلحة علمها الله تعالى في إخبارك به لكنت مبلغه
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان حديث ٥٠ ، ومسلم في الإيمان حديث ٩.
(٢) أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٥٠٦.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره ٩ / ٩٥ ، وابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ٦٦.