أنها نزلت في الصلاة كانوا يتكلمون فيها فأمروا باستماع قراءة الإمام والإنصات.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم فأمروا بالسكوت والاستماع إلى قراءة القرآن ، وقال قوم : نزلت في ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام.
وروى زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصلاة ، وقال الكلبي : كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار ، وعن ابن مسعود أنه سمع ناسا يقرؤون مع الإمام فلما انصرفوا قال : أما آن لكم أن تفقهوا (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) كما أمركم الله ، وهذا قول الحسن والزهري : إن الآية نزلت في القرآن في الصلاة.
وقال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد : إنّ الآية نزلت في الخطبة أمروا بالإنصات لخطبة الإمام يوم الجمعة ، وقال عمر بن عبد العزيز : الإنصات لكل واعظ ، وقيل : معناه وإذا تلا عليكم الرسول القرآن عند نزوله فاستمعوا له وأنصتوا ، وقيل : معنى فاستمعوا له فاعملوا بما فيه ولا تجاوزوه ، قال البغوي : والأوّل أولاها وهو أنها في القراءة في الصلاة لأنّ الآية مكية والجمعة وجبت بالمدينة ، قال البيضاوي : وظاهر اللفظ يقتضي وجوبهما حيث يقرأ القرآن مطلقا وعامة العلماء على استحبابهما خارج الصلاة واحتج به من لا يرى وجوب القراءة على المأموم وهو ضعيف ، اه. أي : مردود بخبر الصحيحين : «لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» (١).
وقوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) عام في الأذكار من القراءة والدعاء وغيرهما ، والمراد بالذكر في النفس أن يستحضر في قلبه عظمة الله تعالى جل جلاله ؛ لأنّ الذكر باللسان إذا كان عاريا عن ذكر القلب كان عديم الفائدة ؛ لأنّ فائدة الذكر حضور القلب وإشعاره عظمة المذكور تعالى ، قال الرازي : سمعت بعض الأكابر من أصحاب القلوب كان إذا أراد أن يأمر واحدا من المريدين بالخلوة والذكر أمره أربعين يوما بالخلوة والتصفية ، ثم عند استكمال هذه المدّة وحصول التصفية الكاملة يقرأ عليه الأسماء التسعة والتسعين ، ويقول للمريد : اعتبر حال قلبك عند سماع هذه الأسماء ، فكل اسم وجدت قلبك عند سماعه قوي تأثره وعظم تشوّقه ، فاعلم أنّ الله تعالى إنما يفتح أبواب المكاشفات عليك بواسطة المواظبة على ذكر ذلك الاسم بعينه ، وهذا طريق حسن لطيف في هذا الباب ، اه.
وقيل : ذلك أمر للمأموم بالقراءة سرا بعد فراغ الإمام من قراءة الفاتحة كما هو مذهب الشافعي رحمهالله تعالى (تَضَرُّعاً) أي : تذللا (وَخِيفَةً) أي : خوفا منه.
فائدة : إنما قال تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) ولم يقل : واذكر إلهك ولا غيره من الأسماء وإنما سماه في هذا المقام باسم كونه ربا ، وأضاف نفسه إليه ، وكل ذلك يدل على نهاية الرحمة والتقريب والفضل والإحسان ، والمقصود منه أن يصير العبد فرحا مسرورا مبتهجا عند سماع هذا الاسم ، لأنّ لفظ الرب مشعر بالتربية والفضل ، وعند سماع هذا الاسم يتذكر العبد أقسام إنعام الله تعالى عليه ، وبالحقيقة لا يصل عقله إلى أقل أقسامه كما قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها)
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأذان حديث ٧٥٦ ، ومسلم في الصلاة حديث ٣٩٤ ، وأبو داود في الصلاة حديث ٨٢٢ ، والترمذي في الصلاة حديث ٢٤٧ ، والنسائي في الافتتاح حديث ٩١٠ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ٨٣٧.