تعالى وطلب ما وعده الله تعالى به من إحدى الطائفتين ، وتضرع إلى الله تعالى ، وكذلك الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فقال تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) أي : إن تطلبوا النصر الذي تقدّم به الوعد فقد جاءكم الفتح أي : حصل ما وعدتم فاشكروا الله تعالى والزموا الطاعة.
قال القاضي عياض : وهذا القول أولى ؛ لأنّ قوله تعالى : (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) لا يليق إلا بالمؤمنين ، اه.
وقال البيضاوي إنه خطاب لأهل مكة عن سبيل التهكم اه. ويدل له قوله تعالى : (وَإِنْ تَنْتَهُوا) أي : عن الكفر ومعاداة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي : لتضمنه سلامة الدارين وخير المنزلتين (وَإِنْ تَعُودُوا) أي : لقتال النبيّ صلىاللهعليهوسلم (نَعُدْ) أي : لنصرته عليكم (وَلَنْ تُغْنِيَ) أي : تدفع (عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ) أي : جماعتكم (شَيْئاً ؛) لأنّ الله تعالى على الكافرين فيخذلهم (وَلَوْ كَثُرَتْ) فئتكم (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصر والمعونة ، وقرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح الهمزة على ولأنّ الله تعالى والباقون بالكسر على الاستئناف.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا) أي : تعرضوا (عَنْهُ) أي : الرسول صلىاللهعليهوسلم بمخالفة أمره ، فإنّ المراد من الآية الأمر بطاعته والنهي عن الإعراض عنه ، وذكر طاعة الله للتوطئة والتنبيه على أنّ طاعة الله في طاعة الرسول لقوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء ، ٨٠] وقيل : الضمير للجهاد (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) أي : القرآن والمواعظ سماع فهم وتصديق.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا) أي : بألسنتهم (وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) سمعا ينتفعون به ، وهذه صفة المنافقين.
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ) أي : إنّ شر من دب على وجه الأرض من خلق الله عنده (الصُّمُ) عن سماع الحق (الْبُكْمُ) عن النطق بالحق فلا يقولونه (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) أمر الله ، وسماهم دواب لقلة انتفاعهم بعقولهم كما قال تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الأعراف ، ١٧٩] قال ابن عباس : هم نفر من بني عبد الدار بن قصي كانوا يقولون : نحن صم بكم عما جاء به محمد ، فقتلوا جميعا بأحد وكانوا أصحاب اللواء ، ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة.
(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) أي : سعادة كتبت لهم أو انتفاعا بالآيات (لَأَسْمَعَهُمْ) سماع تفهم (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) على سبيل الفرض ، وقد علم أن لا خير فيهم (لَتَوَلَّوْا) عنه ولم ينتفعوا به وارتدّوا عن التصديق والقبول (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره ، وقيل : إنهم كانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أحي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا يشهد لك بالنبوّة ، فنؤمن بك ، فقال الله تعالى : ولو أسمعهم كلام قصي لتولوا وهم معرضون.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) أي : أجيبوهما بالطاعة ، ووحد الضمير في قوله تعالى : (إِذا دَعاكُمْ ؛) لأنّ دعوة الله تعالى تسمع من الرسول صلىاللهعليهوسلم.
روى الترمذي أنه صلىاللهعليهوسلم مرّ على أبيّ بن كعب وهو يصلي فدعاه ، فعجل في صلاته ثم جاء ، فقال له صلىاللهعليهوسلم : «ما منعك عن إجابتي؟» قال : كنت أصلي ، قال : «ألم تجد فيما أوحي إليّ (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ؟)(١) ويؤخذ من ذلك أنّ إجابته صلىاللهعليهوسلم بالقول : لا تقطع الصلاة ، وهو كذلك ، بل ولا
__________________
(١) أخرجه الترمذي في فضائل القرآن حديث ٢٨٧٥.