الغنائم (لَمَسَّكُمْ) أي : لنالكم (فِيما أَخَذْتُمْ) أي : من الفداء (عَذابٌ عَظِيمٌ) وقال الحسن ومجاهد : لو لا كتاب من الله سبق إنه لا يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال ابن إسحق : لم يكن من المؤمنين أحد إلا أحب الغنائم ، إلا عمر بن الخطاب ، فإنه أشار على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتل الأسرى ، وسعد بن معاذ قال : يا رسول الله كان الإثخان في القتل أحبّ إليّ من استبقاء الرجال فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ».
روي : لما نزلت هذه الآية كف رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيديهم أن يأخذوا من الفداء فنزلت :
(فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) أي : من الفداء ، فإنه من جملة الغنائم (حَلالاً طَيِّباً) فأحل الله الغنائم بهذه الآية لهذه الأمة وقال صلىاللهعليهوسلم : «أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي» (١).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لم تحل الغنائم لأحد قبلنا ، ثم أحل لنا الغنائم ذلك بأنّ الله رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا» (٢).
فإن قيل : ما معنى الفاء في قوله تعالى : (فَكُلُوا؟) أجيب : بأنها سببية والمسبب محذوف تقديره أبحت لكم الغنائم فكلوا ، وبنحوه تشبث من زعم أن الأمر الوارد بعد الحظر للإباحة ، وحلالا حال من المغنوم أو صفة للمصدر أي : أكلا حلالا ، وفائدته إزاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب تلك المعاتبة ، ولذلك وصفه بقوله : (طَيِّباً. وَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفته (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) غفر ذنوبكم (رَحِيمٌ) أباح لكم ما أخذتم ، وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ) إشارة إلى المستقبل ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) إشارة إلى الحالة الماضية ولما أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الفداء من الأسارى وثق عليهم أخذ أموالهم منهم ذكر الله تعالى هذه الآية استمالا لهم ، فقال عز من قائل :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) قرأ أبو عمرو بضم الهمزة وفتح السين بعدها ألف ، والباقون بفتح الهمزة وسكون السين ولا ألف بعدها ، وأمال الألف بعد الراء أبو عمرو وحمزة والكسائي محضة ، وورش بين بين (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) أي : خلوص إيمان وصحة نية (يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) من الفداء ، قال ابن عباس : نزلت في العباس وعقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحرث كان العباس أسيرا يوم بدر ، ومعه عشرون أوقية من الذهب أخرجها ليطعم الناس فكان أحد العشرة الذين ضمنوا الطعام لأهل بدر ، فلم تبلغه النوبة حتى أسر ، فقال العباس : كنت مسلما إلا أنهم ألزموني فقال صلىاللهعليهوسلم : «إن يكن ما تذكره حقا فالله يجزيك وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا» قال العباس : وكلمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يترك ذلك الذهب لي فقال : «أما شيء خرجت به تستعين به علينا فلا» قال : فكلفني فداء ابن أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية ، وفداء نوفل بن الحارث فقال العباس : تركتني يا محمد أتكفف قريشا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فأين ما دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة ، وقلت لها ما أدري ما يصيبني ، فإن حدث بي ما حدث فهو لك ولعبد الله وعبيد الله والفضل وقثم فقال العباس : وما يدريك يا ابن أخي؟ قال : «أخبرني به ربي» فقال العباس : أنا أشهد أنك صادق وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك عبده ورسوله
__________________
(١) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٥٢١ ، والدارمي في السير حديث ٢٤٦٧.
(٢) أخرجه البخاري في فرض الخمس حديث ٣١٢٤ ، ومسلم في الجهاد حديث ١٧٤٧.