لإصلاح ذات البين يعطى مع الغني ولو في غير دم ويعطى المستدين لقرى ضيف وعمارة مسجد وبناء قنطرة وفك أسير ونحو ذلك من المصالح العامة عند العجز عن النقد.
(وَفِي سَبِيلِ اللهِ) وهم الغزاة المتطوعون أي : الذين لا رزق لهم في الفيء ويعطون ولو أغنياء إعانة لهم على الغزو وتحرم الزكاة على الغازي المرتزق ولو كان عاملا فإذا عدم الفيء واضطررنا إلى المرتزق ليكفينا شر الكفار أعانه الأغنياء لا من الزكاة (وَابْنِ السَّبِيلِ) أي : الطريق وهو من ينشىء سفرا مباحا من محل الزكاة فيعطى ولو كان كسوبا أو كان مسافرا لنزهة ويعطى أيضا المسافر الغريب المجتاز بمحل الزكاة وإنما يعطيان إن لم يجدا معهما شيئا يكفيهما لسفرهما وقوله تعالى : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) نصب بفعله المقدر أي : فرض لهم الصدقات فريضة أو حال من الضمير المستكن في للفقراء.
(وَاللهُ عَلِيمٌ) أي : بالغ العلم بما يصلح الدين والدنيا ويؤلف بين قلوب المسلمين (حَكِيمٌ) يضع الأشياء في مواضعها وإنما أضيفت الصدقات إلى الأصناف الأربعة الأولى بلام الملك وإلى الأربعة الأخيرة بفي الظرفية للإشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى وتقييده في الأخيرة حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها استرجع بخلافه في الأولى ويجب تعميم الأصناف الثمانية في القسم إن أمكن بأن قسم الإمام ولو بنائبه ووجدوا لظاهر الآية سواء في ذلك زكاة الفطر وزكاة المال وإن لم يمكن بأن قسم المالك إذ لا عامل أو الإمام ووجد بعضهم كأن جعل عاملا بأجرة من بيت المال فتعميم من وجد منهم وعلى الإمام تعميم آحاد كل صنف من الزكاة الحاصلة عنده إذ لا يتعذر عليه ذلك أو على المالك أيضا إن انحصر الآحاد بالبلد بأن سهل عادة ضبطهم ومعرفة عددهم ووفّى بهم المال فإن أخل أحدهما بصنف ضمن وإن لم ينحصر أو لم يف بهم المال ويجب إعطاء ثلاثة فأكثر من كل صنف لذكره في الآية بصيغة الجمع وهو المراد في سبيل الله وابن السبيل الذي هو للجنس ولا عامل في قسم المالك ويجوز حيث كان أن يكون واحدا إن حصلت به الكفاية كما يستغنى عنه فيما مرّ وتجب التسوية بين الأصناف غير العامل لا بين آحاد الصنف إلا أن يقسم الإمام وتتساوى الحاجات فتجب التسوية لأنّ عليه التعميم فعليه التسوية بخلاف المالك إذا لم ينحصروا أو لم يف بهم المال ولا يجزيه نقل الزكاة من بلد وجوبها مع وجود المستحقين فيه إلى بلد آخر أو حال الحول والمال ببادية فرقت الزكاة بأقرب البلاد إليه أمّا الإمام ولو بنائبه فله نقلها ولو امتنع المستحقون من أخذها قوتلوا وشرط أخذ الزكاة من هذه الثمانية حرّية وإسلام وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا ولا مولى لهما كما بينته السنة هذا مذهب الشافعيّ رضي الله تعالى عنه وقال الرازي وغيره : لا دلالة في الآية على قول الشافعي في أنه لا بدّ من صرفها إلى جميع الأصناف لأنه تعالى جعل جملة الصدقات لهؤلاء الأصناف وأمّا أن صدقة زيد بعينها يجب توزيعها على الأصناف كلها فلا كما أنّ قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) [الأنفال ، ٤١] الآية ، يوجب قسم الخمس على الطوائف من غير توزيع بالاتفاق وما ذهب إليه الشافعيّ رضي الله تعالى عنه قول عكرمة وما ذهب إليه الأئمة الثلاثة من جواز صرفها إلى صنف واحد هو قول عمر وحذيفة وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين وكل على هدى من ربهم.
فإن قيل : كيف وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ومكايدهم؟ أجيب : بأنه تعالى ذكر ذلك ليدل على أنّ هذه الأصناف مصارف الصدقات خاصة دون غيرهم على أنهم ليسوا منهم حسما لأطماعهم وإشعارا باستحقاقهم الحرمان وأنهم بعداء عنها وعن مصارفها فمالهم ومالها وما