أي : ليس فيها عيب (فَإِنْ يَتُوبُوا) أي : من كفرهم ونفاقهم (يَكُ خَيْراً لَهُمْ) في العاجل والآجل من إصرارهم على ذلك وهذا الذي حمل الجلاس على التوبة والضمير في يك للتوبة (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) أي : يعرضوا عن الإيمان والتوبة ويصروا على النفاق والكفر (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا) بالقتل والأسر والإذلال (وَالْآخِرَةِ) بالعذاب الأكبر الذي لا خلاص لهم منه وهو خلودهم في النار (وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : التي لا يعرفون غيرها لسفول همتهم (مِنْ وَلِيٍ) يحفظهم منه (وَلا نَصِيرٍ) يمنعهم وأمّا السماء فهم أقل من أن يطمعوا منها في شيء ناصر أو غيره وأغلظ أكبادا من أن يرتقي فكرهم إلى ما بها من العجائب وما بها من الجنود واعلم أنّ هذه السورة أكثرها في شرح أحوال المنافقين ولا شك أنهم أقسام وأصناف فلهذا السبب يذكرهم الله تعالى على التفصيل فيقول تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) [التوبة ، ٦١] (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) [التوبة ، ٥٨] (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [التوبة ، ٤٩].
(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن ثعلبة بن حاطب أبطأ عنه ماله بالشام فلحقه شدّة فحلف بالله وهو واقف ببعض مجالس الأنصار لئن آتانا الله من فضله لأصدقنّ ولأؤدّينّ منه حق الله تعالى والمشهور في سبب نزول هذه الآية أنّ ثعلبة بن حاطب الأنصاريّ قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه. فراجعه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما لك في رسول الله أسوة حسنة والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت» ثم أتاه بعد ذلك وقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطينّ كل ذي حق حقه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اللهم ارزق ثعلبة مالا» فاتخذ غنما فنمت كما تنمى الدود حتى كثرت ونزل بها واديا من أودية المدينة واشتغل بها حتى صار يصلي مع النبي صلىاللهعليهوسلم الظهر والعصر ويصلي في غنمه باقي الصلوات ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة أيضا فصار لا يشهد إلا الجمعة ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة أيضا فصار لا يشهد لا جمعة ولا جماعة فكان إذا كان يوم الجمعة خرج يتلقى الناس يسألهم عن الأخبار فذكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم فقال : «ما فعل ثعلبة» فقالوا : يا رسول الله اتخذ غنما ما يسعها واد فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا ويح ثعلبة ثلاثا» فنزلت آية الصدقة فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجلين لأخذ الصدقة وكتب لهما أصناف الصدقة وكيف يأخذان وقال لهما : «مرّا بثعلبة وخذا صدقاته فأتياه وسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال : ما هذه إلا جزية أو أخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ فانطلقا فاستقبلهما الناس بصدقاتهم ثم رجعا إلى ثعلبة فقال كمقالته الأولى ولم يدفع إليهما شيئا فرجعا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأخبراه بالذي صنع ثعلبة فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وعند رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فخرج حتى أتاه فقال : ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وسأله أن يقبل صدقته فقال : إن الله تعالى منعني من أن أقبل صدقتك ، فجعل يحثو على رأسه التراب ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «لقد قلت لك فما أطعتني» فرجع إلى منزله وقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجاء بها إلى أبي بكر رضي الله عنه فلم يقبلها ثم جاء بها إلى عمر أيام خلافته فلم يقبلها فلما ولى عثمان أتاه بها فلم يقبلها وهلك ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنه.
فإن قيل : العبد إذا تاب تاب الله عليه فلماذا منع الله تعالى من قبول صدقته؟ أجيب : بأنّ الله تعالى لما قال : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) [التوبة ، ١٠٣] وكان هذا المقصود غير