حاصل في ثعلبة مع نفاقه فلهذا السبب امتنع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أخذ تلك الصدقة.
ثم قال الله تعالى : (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) أي : منعوا حق الله تعالى منه (وَتَوَلَّوْا) عن طاعة الله تعالى (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي : عن طاعة الله تعالى.
(فَأَعْقَبَهُمْ) أي : صير عاقبتهم (نِفاقاً) متمكنا (فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) أي : الله يوم القيامة (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ) أي : بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح لأنّ الجزاء من جنس العمل (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) أي : يجددون الكذب دائما مع الوعد ومنفكا عنه فقد استكملوا النفاق عاهدوا فغدروا ووعدوا فأخلفوا وحدّثوا فكذبوا وقد قال صلىاللهعليهوسلم «آية المنافق ـ أي : علامته ـ ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان» (١).
(أَلَمْ يَعْلَمُوا) أي : المنافقون (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ) أي : ما أسروا في أنفسهم من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه (وَنَجْواهُمْ) أي : ما تناجوا بينهم من المطاعن في الدين وتسمية الصدقة جزية وتدبير منعها فكيف يجترؤن على النفاق الذي الأصل فيه الاستمرار والتناجي فيما بينهم مع علمهم بأنّ الله تعالى يعلم ذلك من حالهم كما يعلم الظاهر وأنه يعاقب عليه كما يعاقب على الظاهر (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) والعلام مبالغة في العالم والغيب ما كان غائبا عن الخلق فكيف يمكن الإخفاء عنه.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ) مبتدأ (يَلْمِزُونَ) أي : يعيبون (الْمُطَّوِّعِينَ) المتنفلين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : الراسخين في الإيمان (فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) أي : طاقتهم فيأتون به (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) أي : يستهزؤن بهم والخبر (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) أي : جازاهم على سخريتهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) على كفرهم وهذا نوع آخر من أعمال المنافقين القبيحة وهو لمزهم لمن يأتي بالصدقات.
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطب ذات يوم وحث على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يا رسول الله مالي ثمانية آلاف درهم جئتك بأربعة آلاف درهم فاجعلها في سبيل الله وأمسكت أربعة آلاف لعيالي فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت» (٢) فبارك الله تعالى في مال عبد الرحمن حتى أنه خلف امرأتين يوم مات بلغ ثمن ماله لهما مائة وتسعين ألف درهم ، وجاء عاصم بن عدي الأنصاريّ بسبعين وسقا من تمر وجاء عثمان بن عفان بصدقة عظيمة وجاء أبو عقيل الأنصاريّ بصاع من تمر وقال : أجرت الليلة الماضية نفسي من رجل لإرسال الماء إلى نخله فأخذت صاعين من تمر فأمسكت أحدهما لعيالي وأتيتك بالآخر فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بوضعه في الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا عبد الرحمن وعثمان ما يعطيان إلا رياء والله ورسوله لغنيان عن صاع أبي عقيل ولكن أحب أن يذكر نفسه ليعطى من مال الصدقات فنزلت ، وقوله تعالى :
(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) يا محمد (أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) تخيير للنبيّ صلىاللهعليهوسلم في الاستغفار لهم وتركه قال
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان حديث ٣٣ ، ومسلم في الإيمان حديث ٥٩ ، والترمذي في الإيمان حديث ٢٦٣١.
(٢) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ٣٢ ، وابن حجر في فتح الباري ٨ / ٣٣٢ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٦٣٣ ، والسيوطي في الدر المنثور ٣ / ٢٦٢.