صلىاللهعليهوسلم : «إني خيرت فاخترته» (١) يعني : الاستغفار رواه البخاريّ (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ.)
روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان من المخلصين سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مرض أبيه أن يستغفر له ففعل فنزلت فقال عليه الصلاة والسّلام : «سأزيد على السبعين» (٢) وذلك لأنه صلىاللهعليهوسلم فهم من السبعين العدد المخصوص لأنه الأصل لجواز أن يكون ذلك حدا يخالفه حكم ما وراءه فبين تعالى أن المراد التكثير دون التحديد وإنما خص السبعين من العدد بالذكر لأنّ العرب كانت تستكثر السبعين ولهذا كبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم على عمه حمزة رضي الله عنه سبعين تكبيرة ولأن آحاد السبعين سبع وهو عدد شريف فإن السموات سبع والأرضين سبع والأيام سبع والأقاليم سبع والبحار سبع والنجوم سبع وقد شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة ونحوها في التكثير لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد أي عدّة مراتبه الأصلية والفرعية مع ذكر أول فروع فروعه وهي سبعة آحاد عشرات مئين آحاد ألوف عشرات ألوف مئين ألوف آحاد ألوف الألوف وقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) إشارة إلى أن اليأس من المغفرة وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا ولا قصور فيك بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي : المتمردين في كفرهم وهو كالتنبيه على عذر النبيّ صلىاللهعليهوسلم في استغفاره وهو عدم يأسهم عن إيمانهم ما لم يعلم أنهم مطبوعون على الضلالة والممنوع هو الاستغفار بعد العلم لقوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [التوبة ، ١١٣].
(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) عن غزوة تبوك (بِمَقْعَدِهِمْ) أي : بقعودهم فهو اسم للمصدر (خِلافَ رَسُولِ اللهِ) هذا نوع آخر من قبائح أعمال المنافقين وهو فرحهم بالقعود وكراهتهم الجهاد والمخلف المتروك ممن مضى.
فإن قيل : إنهم احتالوا حتى تخلفوا فكانوا متخلفين لا مخلفين؟ أجيب : بأنّ من تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد خروجه إلى الجهاد مع المؤمنين يوصف بأنه مخلف حيث لم ينهض وأقام.
تنبيه : قوله تعالى : (خِلافَ) فيه قولان :
الأوّل : وهو قول الزجاج بمعنى مخالفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين سار وأقاموا قال وهو منصوب لأنه مفعول له والمعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
والثاني : قال الأخفش : إن خلاف بمعنى خلف ومعناه بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقوله تعالى : (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) تعريض للمؤمنين بتحملهم المشاق لوجه الله تعالى بما فعلوا من بذل أنفسهم وأموالهم وإيثارهم ذلك على السكون والراحة وكره ذلك المنافقون وكيف لا يكرهون وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان وداعي الإيقان (وَقالُوا) أي : قال بعض المنافقين لبعض أو قالوا للمؤمنين تثبيطا (لا تَنْفِرُوا) أي : لا تخرجوا إلى الجهاد (فِي الْحَرِّ) وكانت غزوة تبوك في شدّة الحر فأجاب الله تعالى عن هذا بقوله تعالى : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) أي : يعلمون أنّ بعد هذه الدار دارا أخرى وأن بعد هذه الحياة
__________________
(١) أخرجه البخاري في التفسير حديث ٤٦٧١ ، والترمذي في التفسير حديث ٣٠٩٧.
(٢) انظر الحاشية السابقة.