أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب» (١) فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب الاستشفاء بثوب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما مات جاء ابنه يعرفه وكان ابنه صحابيا خالصا صالحا فقال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «صل عليه وادفنه» فقال : إن لم تصل عليه يا رسول الله لم يصل عليه مسلم فقام عليه الصلاة والسّلام ليصلي عليه فقام عمر رضي الله عنه بينه وبين القبلة فنزلت هذه الآية وأخذ جبريل عليهالسلام بثوب النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : (لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) قال عمر : فعجبت من جراءتي على النبي صلىاللهعليهوسلم يومئذ وهذا يدل على منقبة عظيمة من مناقب عمر رضي الله عنه وذلك أنّ الوحي ينزل وفق قوله في آيات كثيرة منها آية أخذ الفدية من أسارى بدر وقد سبق شرحه ، ومنها آية تحريم الخمر ، ومنها آية تحويل القبلة ، ومنها آية أمر النساء بالحجاب ، ومنها هذه الآية ، فصار نزول الوحي على مطابقة قول عمر منصبا عاليا ودرجة رفيعة له في الدارين ولهذا قال في حقه عليه الصلاة والسّلام : «لو لم أبعث لبعثت يا عمر نبيا» (٢) وإنما لم ينه صلىاللهعليهوسلم عن التكفين في القميص ونهى عن الصلاة عليه لأن الضنة بالقميص كانت تخل بالكرم وكان الله تعالى أمره أن لا يردّ سائلا بقوله تعالى : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى ، ١٠] ولأنّ ابنه كان بالوصف المتقدم فأكرمه النبي صلىاللهعليهوسلم لمكان ابنه ولأن الرحمة والرأفة كانت غالبة عليه صلىاللهعليهوسلم ولأنها كانت مكافأة لإلباسه العباس قميصه حين كان أسر ببدر والمراد من الصلاة الدعاء للميت والاستغفار له وهو ممنوع في حق الكافر ، قال الواحدي : مات في موضع جر لأنه صفة للنكرة كأنه قيل : على أحد منهم ميت ، وقوله تعالى : (أَبَداً) متعلق بقوله : (وَلا تُصَلِ) والتقدير ولا تصل أبدا على أحد منهم منعا كليا دائما ، وقال البيضاوي : مات أبدا يعني : الموت على الكفر فإن إحياء الكافر للتعذيب لا للتمتع فكأنه لم يحيى واختلف في تفسير قوله تعالى : (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) فقال الزجاج : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فمنع ههنا منه قال الكلبي : لا تقم لإصلاح مهمات قبره وهو من قولهم قام فلان بأمر فلان إذا كفاه أمره وتولاه ، وقيل : لا تقم عند قبره لدفن أو زيارة والأوّل أولى لأنّ النهي للتحريم ثم إنه تعالى علل المنع من الصلاة عليه والقيام على قبره بقوله تعالى : (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) أي : كافرون يعني : لم يتوبوا قبل موتهم عن كفرهم فسقط بذلك ما قيل : إن الفسق أدنى من الكفر فما الفائدة في وصفهم بعد ذلك بالفسق ، وأجيب أيضا : بأنّ الكافر قد يكون عدلا في دينه وقد يكون فاسقا فوصف الله تعالى المنافق بالفسق بعد أن وصفه بالكفر تنبيها على أن طريقة النفاق طريقة مذمومة عند كل أهل العلم.
فإن قيل : كيف همّ صلىاللهعليهوسلم أن يصلي على هذا المنافق مع قيام الكفر فيه وقيل : إنه صلى عليه؟ أجيب : بأنّ التكاليف مبنية على قوله صلىاللهعليهوسلم : «نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر» (٣) فإنه كان ظاهره الإسلام فلما أعلمه الله تعالى بذلك امتنع فلم يصل على منافق بعد ذلك ولا قام على قبره حتى قبض.
(وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) سبق ذكر هذه الآية في هذه السورة بعينها ولكن حصل بينهما تفاوت في ألفاظ أربعة :
__________________
(١) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١ / ١٣٥ ، والقرطبي في تفسيره ٨ / ٢٢١.
(٢) أخرجه الترمذي في المناقب حديث ٣٦٨٦ ، بلفظ : «لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب».
(٣) أخرجه الشوكاني في الفوائد المجموعة ٢٠٠ ، وابن حجر في تلخيص الحبير ٤ / ١٩٢.