عامر بن الطفيل قالوا : إن غزونا معك أغارت أعراب طيء على أهالينا ومواشينا فقال صلىاللهعليهوسلم : «سيغنيني الله عنكم» (١) وقيل : نفر من غفار اعتذروا فلم يعذرهم الله ، وعن قتادة : اعتذروا بالكذب والاعتذار في كلام العرب على قسمين : يقال : اعتذر إذا كذب في عذره ومنه قوله تعالى : (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ) [التوبة ، ٩٤] فردّ الله تعالى عليهم بقوله : (قُلْ لا تَعْتَذِرُوا) [التوبة ، ٩٤] فدلّ ذلك على فساد عذرهم وكذبهم فيه. ويقال : اعتذر إذا أتى بعذر صحيح كما في قول لبيد (٢) :
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
يريد : فقد جاء بعذر صحيح. وقيل : هو التعذير الذي هو التقصير ، يقال : عذر يعذر إذا قصر ولم يبالغ فعلى هذا المعنى يحتمل أنهم كانوا صادقين في اعتذارهم وأنهم كانوا كاذبين ، ومن المفسرين من قال : إنهم كانوا صادقين بدليل أنه تعالى لما ذكره قال بعده : (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي : في ادعاء الإيمان من منافقي الأعراب عن المجيء للاعتذار فلما فصل بينهم وميزهم عن الكاذبين دل ذلك على أنهم ليسوا كاذبين.
ويروى عن عمرو بن العلاء أنه لما قيل له هذا الكلام فقال : إن أقواما تكلفوا عذرا بباطل فهم الذين عناهم الله تعالى بقوله : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ) وتخلف الآخرون لا لعذر ولا لشبه عذر جراءة على الله وهم المراد بقوله تعالى : (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) أي : من الأعراب أو من المعذرين فإن منهم من اعتذر لكسله لا لكفره (عَذابٌ أَلِيمٌ) في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار.
ولما بين سبحانه وتعالى الوعيد في حق من توهم العذر مع أنه لا عذر له ذكر أصحاب الأعذار الحقيقة وبين أن تكليف الله تعالى بالغزو والجهاد عنهم ساقط بقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) كالشيوخ ومن خلق في أصل الفطرة ضعيفا نحيفا (وَلا عَلَى الْمَرْضى) كالزمنى والعرج والعمي (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) في الجهاد (حَرَجٌ) أي : إثم في التخلف عنه فنفى سبحانه وتعالى عن هذه الأقسام الثلاثة الحرج فيجوز لهم أن يتخلفوا عن الغزو وليس في الآية بيان أنه يحرم عليهم الخروج لأنّ الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بقدر قدرته إما لحفظ متاعهم أو لتكثير سوادهم بشرط أن لا يجعل نفسه كلا ووبالا عليهم كان ذلك طاعة مقبولة ثم إنه سبحانه وتعالى شرط في جواز هذا التأخر عن الغزو شرطا بقوله : (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) في حال قعودهم بالإيمان والطاعة في السرّ والعلانية وأن يحترزوا عن إلقاء الإرجافات وعن إثارة الفتن ويسعوا في إيصال الخير إلى المجاهدين الذين سافروا إما أن يقوموا بإصلاح مهمات بيوتهم وإما أن يسعوا إلى إيصال الأخبار السارة من بيوتهم إليهم فإن جملة هذه الأمور جارية مجرى الإعانة على الجهاد وقوله تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ) في موضع ما عليهم لبيان إحسانهم بنصحهم مع
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) صدره :
إلى الحو ثم اسم السّلام عليكما
والبيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢١٤ ، والأشباه والنظائر ٧ / ٩٦ ، والأغاني ١٣ / ٤٠ ، وبغية الوعاة ١ / ٤٢٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٣٧ ، والخصائص ٣ / ٢٩ ، وشرح المفصل ٣ / ١٤ ، والعقد الفريد ٢ / ٧٨ ، ولسان العرب (عذر) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٧٥.