الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب» (١). قال ابن الأثير : والمخاريق جمع مخراق وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا وهي آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه ، وقد جاء تفسير المخراق في حديث آخر ، وهو سوط من نور تزجر به الملائكة السحاب. وعن ابن عباس أنه قال : من سمع صوت الرعد فقال : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير ، فإن أصابته صاعقة فعليّ ديته. وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث وقال : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته. وفي بعض الأخبار يقول الله تعالى : «لو أنّ عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت الشمس عليهم بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد» (٢). وفي رواية عن ابن عباس : الرعد ملك موكل بالسحاب يسوقه حيث يؤمر وأنه يحوز الماء في نقرة إبهامه ، وأنه يسبح الله تعالى إذا سبح لا يبقى ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل المطر. وعن الحسن أنّ الرعد خلق من خلق الله ليس بملك ، وقد اختلفت الروايات في ذلك ، ففي بعضها أنه ملك موكل بالسحاب ، وفي بعضها أنه ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه ، وفي بعضها أنه ملك يسوق السحاب بالتسبيح كما يسوق الحادي الإبل بحدائه ، وفي بعضها : أنه ملك سمي به وهو الذي تسمعون صوته ، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك في البقرة ، وقيل : هؤلاء الملائكة أعوان الرعد جعل الله تعالى له أعوانا ، فهم خائفون خاضعون طائعون ، وقيل : المراد بهم جميع الملائكة واستظهر وقوله تعالى : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) جمع صاعقة وهي العذاب المهلك تنزل من البرق فتحرق من تصيبه (فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) فيهلكه (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) حيث يكذبون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والتكذيب التشديد في الخصومة.
روي «أنّ عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد وفدا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قاصدين لقتله فأخذه عامر بالمجادلة ودار أربد من خلفه ليضربه بالسيف فتنبه له رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : «اللهمّ اكفنيهما بما شئت». فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة فقتلته ، ورمى عامر بغدة فمات في بيت سلولية فكان يقول : غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية فنزلت» (٣). «وعن الحسن أنه قال : كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبيّ صلىاللهعليهوسلم نفرا يدعونه إلى الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم فقال لهم : أخبروني عن رب محمد الذي تدعونني إليه مم هو؟ أمن ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس؟ فاستعظم القوم مقالته فانصرفوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله ، ما رأينا رجلا أكفر قلبا ولا أعتى على الله منه. فقال صلىاللهعليهوسلم : «ارجعوا ، إليه» فرجعوا إليه فجعل لا يزيدهم على مقالته الأولى وقال : أجيب محمد إلى رب لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا وقالوا : يا رسول الله ، ما زادنا على مقالته الأولى وأخبث فقال : «ارجعوا إليه» فرجعوا فبينما هم عنده ينازعونه ويدعونه وهو يقول هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم فرعدت وبرقت ورمت بصاعقة فأحرقت الكافر وهم جلوس فجاؤوا يسعون ليخبروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاستقبلهم قوم من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : احترق
__________________
(١) أخرجه الترمذي في التفسير حديث ٥١٢١.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٣٥٩ ، وابن الجوزي في العلل المتناهية ٢ / ٣٠٦.
(٣) أخرجه ابن كثير في البداية والنهاية ٥ / ٥٧ ، ٥٨ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٨٢.