صاحبكم فقالوا : من أين علمتم؟ فقالوا : أوحى الله تعالى إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ»)(١). (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) واختلف المفسرون في قوله تعالى : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) فقال عليّ رضي الله عنه : شديد الأخذ. وقال ابن عباس : شديد الحول. وقال مجاهد : شديد القوة. وقال أبو عبيدة : شديد القوة والمغالبة. واختلف في قوله تعالى :
(لَهُ ،) أي : لله (دَعْوَةُ الْحَقِ) فقال عليّ : دعوة الحق التوحيد. وقال ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا الله. وقال الحسن : الحق هو الله تعالى وكل دعاء إليه دعوة الحق. (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ ،) أي : وهم الكفار. (مِنْ دُونِهِ ،) أي : غير الله وهي الأصنام (لا يَسْتَجِيبُونَ ،) أي : الأصنام (لَهُمْ ،) أي : الكفار (بِشَيْءٍ) مما يطلبونه من نفع أو دفع ضر (إِلَّا ،) أي : الاستجابة (كَباسِطِ ،) أي : كاستجابة باسط (كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ ،) أي : على شفير البئر يدعوه (لِيَبْلُغَ فاهُ ،) أي : بارتفاعه من البئر إليه (وَما هُوَ ،) أي : الماء (بِبالِغِهِ ،) أي : فاه أبدا ؛ لأنه جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على إجابته ، فكذلك ما هم بمستجيبين لهم أبدا ؛ لأنّ أصنامهم كذلك ، وقيل : شبهوا في قلة فائدة دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه فبسط كفيه ناشرا أصابعهما ، ولم يصل كفاه إلى ذلك الماء ولم يبلغ مطلوبه من مشربه ، ثم إنه تعالى عمم في أنه لا يستجاب لهم بقوله تعالى : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ،) أي : ضياع لا منفعة فيه ؛ لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم وإن دعوا آلهتهم لم تستطع إجابتهم ، وقيل : المراد بالدعاء في الحالين العبادة.
وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يحتمل أن يراد به السجود على حقيقته وهو وضع الجبهة ، وعلى هذا فيكون قوله تعالى : (طَوْعاً) للملائكة والمؤمنين من الثقلين حالتي الشدّة والرخاء وقوله تعالى : (وَكَرْهاً) للكافرين والمنافقين الذين أكرهوا على السجود بالسيف وأن يراد به التعظيم والاعتراف بالعبودية ، فكل من السموات والأرض معترف بعبودية الله تعالى كما قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف ، ٨٧] وأن يراد به الانقياد والخضوع وترك الامتناع ، وكل من في السموات والأرض ساجد لله بهذا المعنى ؛ لأنّ قدرته ومشيئته نافذة في الكل.
تنبيه : قوله تعالى : (طَوْعاً وَكَرْهاً) إمّا مفعول من أجله وإمّا حال ، أي : طائعين وكارهين. واختلف في تفسير قوله تعالى : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ ،) أي : البكر (وَالْآصالِ ،) أي : العشايا ، أي : تسجد فقال أكثر المفسرين : كل شخص سواء كان مؤمنا أو كافرا ، فإن ظله يسجد لله. قال مجاهد : ظل المؤمن يسجد لله تعالى وهو طائع ، وظل الكافر يسجد لله تعالى وهو كاره. وقال الزجاج : جاء في التفسير أن الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله. قال ابن الأنباريّ : ولا يبعد أن يخلق الله تعالى في الظلال عقولا وأفهاما تسجد بها لله وتخشع. وقيل : المراد من سجود الظلال ميلها من جانب إلى جانب وطولها بسبب انحطاط الشمس وقصرها بسبب ارتفاع الشمس وهي منقادة مسلسلة في طولها وقصرها وميلها من جانب إلى جانب. وإنما خص الغدوّ والآصال
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ٩ / ٢٩٦.