بالذكر ؛ لأنّ الظلال إنما تعظم وتكثر في هذين الوقتين.
تنبيه : الغدوّ جمع غداة كقنى وقناة ، والآصال جمع الأصل ، والأصل جمع أصيل ، وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس.
ولما بيّن تعالى أن كل من في السموات والأرض ساجد لله تعالى عدل إلى الردّ على عباد الأصنام بقوله تعالى : (قُلْ) يا أشرف الخلق على الله تعالى لقومك (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ،) أي : من مالكهما وما فيهما ومدبرهما وخالقهما؟ (قُلِ اللهُ ،) أي : أجب عنهم بذلك إن لم يقولوه ، ولا جواب لهم غيره ، ولأنه البين الذي لا يمكن المراء فيه ولقنهم الجواب به. وروي أنه لما قال للمشركين ذلك عطفوا عليه وقالوا : أجب أنت فأمره الله تعالى ، فأجاب بذلك ، ثم ألزمهم الحجة على عبادتهم الأصنام بقوله تعالى : (قُلْ) لهم (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ ،) أي : غير الله (أَوْلِياءَ ،) أي : أصناما تعبدونها (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً) يجلبونه (وَلا ضَرًّا) يدفعونه فكيف يملكون لكم ذلك؟ وقرأ ابن كثير وحفص بإظهار الذال في اتخذتم عند التاء ، والباقون بالإدغام ، ثم ضرب الله تعالى مثلا للمشركين الذين يعبدون الأصنام والمؤمنين الذين يعبدون الله فقال تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) قال ابن عباس : يعني المشرك والمؤمن ، وإنما مثل الكافر بالأعمى ؛ لأنه لا يهتدي سبيلا ، فكذلك الكافر لا يهتدي سبيلا. ثم ضرب الله مثلا للإيمان والكفر بقوله تعالى : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ ،) أي : الكفر (وَالنُّورُ ،) أي : الإيمان؟ الجواب : لا. وقرأ شعبة وحمزة والكسائي (يَسْتَوِي) بالياء على التذكير ، والباقون بالتاء على التأنيث ، وأمّا اللام من هل هنا فلا تدغم على القراءتين. (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) والهمزة للانكار ، وقوله تعالى : (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) صفة شركاء ، أي : خلقوا سموات وأرضين وشمسا وقمرا وجبالا وبحارا وجنا وإنسا. (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ ،) أي : خلق الشركاء بخلق الله (عَلَيْهِمْ) من هذا الوجه فلا يدرون ما خلق الله ولا ما خلق آلهتهم ، فاعتقدوا استحقاق عبادتهم بخلقهم ، وهذا استفهام إنكار ، أي : ليس الأمر كذلك ولا يستحق العبادة إلا الخالق. ولما كان من المعلوم قطعا أن جوابهم أن الخلق كله لله لزمتهم الحجة فقال تعالى : (قُلْ) لهؤلاء المشركين (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ،) أي : مما يصح أن يكون مخلوقا ، فهو من العموم الذي يراد به الخصوص ، فلا يدخل في ذلك صفات الله تعالى ، وإذا كان لا خالق غيره فلا يشاركه في العبادة أحد ، فوجب أن ينفرد بالإلهية كما قال تعالى : (وَهُوَ الْواحِدُ ،) أي : الذي لا يجانسه شيء ، وكل ما سواه لا يخلو عن مماثل يماثله ، وأين رتبة من يماثل من رتبة من لا مثل له؟! (الْقَهَّارُ) الذي كل شيء تحت قهره ، فيدخل تحت قضائه ومشيئته وإرادته.
ثم ضرب تعالى مثلا للحق والباطل بقوله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ،) أي : السحاب أو السماء نفسها (ماءً ،) أي : مطرا (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ ،) أي : أنهار جمع واد ، وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة فاتسع فيه ، واستعمل للماء الجاري فيه ، وتنكيرها ؛ لأنّ المطر يأتي على تناوب بين البقاع (بِقَدَرِها ،) أي : بمقدارها الذي علم الله تعالى أنه نافع غير ضارّ ، أو بمقداره في الصغر والكبر. (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً ،) أي : عاليا عليه هو ما على وجهه من قذر ونحوه (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) أي : من جواهر الأرض الذهب والفضة والنحاس والحديد (ابْتِغاءَ ،) أي : طلب (حِلْيَةٍ ،) أي : زينة (أَوْ مَتاعٍ ،) أي : ينتفع به كالأواني إذا أذيبت ، وآلات