لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته ، أو قال : بتته» (١). وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله» (٢). وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من سره أن يبسط في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» (٣). ومعنى ينسأ يؤخر ، والمراد به تأخير الأجل ، وفيه قولان :
أحدهما وهو المشهور : أنه يزاد في عمره زيادة حقيقية.
والثاني : يبارك له في عمره فكأنه قد زيد فيه. وعن ابن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ليس الواصل بالمكافىء ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها» (٤). وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «تأتي يوم القيامة لها ألسنة ذلقة الرحم فتقول : أي رب قطعت والأمانة تقول : أي رب تركت والنعمة تقول : أي : رب كفرت» (٥). وعن الفضيل بن عياض أنّ جماعة دخلوا عليه بمكة فقال : من أين أنتم؟ فقالوا : من خراسان. قال : اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم ، واعلموا أنّ العبد لو أحسن كل الإحسان وكان له دجاجة ، فأساء إليها لم يكن من المحسنين.
(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ،) أي : وعيده عموما ، والخشية خوف يشوبه تعظيم (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ،) أي : على طاعة الله تعالى وعن معاصيه وفي كل ما ينبغي الصبر فيه. وقال ابن عباس : صبروا على أمر الله. وقال عطاء : على المصائب والنوائب. وقيل : صبروا عن الشهوات وعن المعاصي ، ومرجع الكل واحد فإنّ الصبر الحبس ، وهو تجرع مرارة منع النفس عما تحب مما لا يجوز فعله (ابْتِغاءَ ،) أي : طلب (وَجْهِ رَبِّهِمْ ،) أي : رضاه لا طلب غيره من جور أو سمعة أو رياء أو لغرض من أغراض الدنيا أو نحو ذلك (وَأَقامُوا الصَّلاةَ ،) أي : المفروضة ، وقيل : مطلق الصلاة ، فيدخل فيه الفرض والنفل.
(وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) قال الحسن : المراد به الزكاة ، فإن لم يتهم بترك الزكاة فالأولى أن يؤدّيها سرّا ، وإن كان يتهم بترك أدائها ، فالأولى أن يؤدّيها علانية ، وقيل : المراد بالسر صدقة التطوّع ، وبالعلانية الزكاة. وقيل : المراد بالسر ما يؤدّيه من الزكاة بنفسه وبالعلانية ما يدفعه إلى الإمام. (وَيَدْرَؤُنَ ،) أي : يدفعون (بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) كالجهل بالحلم والأذى بالصبر. روي عن ابن عباس قال : يدفعون بالصالح من العمل السيء من العمل ، وهو معنى قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود ، ١١٤] وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها السر بالسر والعلانية بالعلانية» (٦). وعن عقبة بن عامر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ مثل الذي يعمل
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الزكاة حديث ١٦٩٤ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ / ٢٦ ، وابن حجر في فتح الباري ١٠ / ٤١٨ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٦ / ٣١١.
(٢) أخرجه مسلم في البر حديث ٢٥٥٥.
(٣) أخرجه البخاري في البيوع حديث ٢٠٦٧ ، ومسلم في البر حديث ٢٥٥٧.
(٤) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٥٩٩١ ، والترمذي في البر حديث ١٩٠٨ ، وأبو داود في الزكاة حديث ١٦٩٧.
(٥) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٦) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٦٩ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٤ / ٢١٧ ، ٢١٨ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٧ / ٤٥٣ ، ٨ / ٦٠٣ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٤٣٠٩٩.