(إِلَيْهِ ،) أي : إلى دينه (مَنْ أَنابَ ،) أي : رجع إليه كأبي بكر الصدّيق وغيره ممن تبعه من العشرة المشهود لهم بالجنة وغيرهم ولو حصلت آية واحدة فلا تشتغلوا بطلب الآيات ولكن تضرعوا إلى الله تعالى في طلب الهداية.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا) بدل من أناب أو خبر مبتدأ محذوف (وَتَطْمَئِنُّ ،) أي : تسكن (قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ،) أي : أنسا به واعتمادا عليه ورجاء منه أو بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته أو بذكر دلائله الدالة على وجوده أو بالقرآن الذي هو أقوى المعجزات وقال ابن عباس : يريد إذا سمعوا القرآن خشعت قلوبهم واطمأنت فإن قيل : قد قال الله تعالى في سورة الأنفال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال ، ٢] والوجل ضد الاطمئنان فكيف الجمع بين هاتين الآيتين؟ أجيب : بأنهم إذا ذكروا العقاب ولم يأمنوا أن يقدموا على المعاصي فهناك يحصل الوجل وإذا ذكروا وعده بالثواب والرحمة سكنت قلوبهم إلى ذلك وحينئذ حصل الجمع بينهما (أَلا بِذِكْرِ اللهِ ،) أي : الذي له الجلال والإكرام لا بذكر غيره (تَطْمَئِنُّ ،) أي : تسكن (الْقُلُوبُ) ويثبت اليقين فيها.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) مبتدأ خبره (طُوبى لَهُمْ) واختلف العلماء في تفسير طوبى فقال ابن عباس : فرح لهم وقرة عين. وقال عكرمة : نعمى لهم. وقال قتادة : حسنى لهم. وقال النخعي : خير لهم وكرامة. وقال سعيد بن جبير : طوبى اسم الجنة بالحبشية. قال الرازي : وهذا القول ضعيف ؛ لأنه ليس في القرآن إلا العربي لا سيما ، اشتقاق هذا اللفظ من اللغة العربية ظاهر. وعن أبي هريرة وأبي الدرداء أن طوبى شجرة في الجنة تظل الجنان كلها. وقال عبيد بن عمير : هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا وفيها منه إلا السواد ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل. وقال مقاتل : وكل ورقة منها تظل أمة عليها ملك يسبح الله تعالى بأنواع التسبيح. وعن أبي سعيد الخدري أنّ رجلا سأل النبيّ صلىاللهعليهوسلم : ما طوبى؟ قال : «شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها» (١). وعن معاوية بن قرّة عن أبيه يرفعه : «طوبى شجرة غرسها الله تعالى بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة» (٢). وفي رواية عن أبي هريرة أنه قال : «إنّ في الجنة شجرة يقال لها : طوبى يقول الله تعالى لها : تفتقي لعبدي عما يشاء فتتفتق له عن فرس مسرجة بلجامها وهيئتها كما يشاء وتتفتق له عن راحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما يشاء» (٣). وقيل : طوبى فعلى من الطيب قلبت ياؤه واوا لضم ما قبلها مصدر لطاب كبشرى وزلفى ومعنى طوبى لك أصبت خيرا وطيبا. (وَحُسْنُ مَآبٍ ،) أي : حسن المنقلب.
(كَذلِكَ ،) أي : مثل إرسال الرسل الذين قدمنا الإشارة إليهم في آخر سورة يوسف وفي
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٧١ ، والسيوطي في الدر المنثور ٤ / ٥٩ ، والطبري في تفسيره ١٣ / ١٠١.
(٢) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٥٩ ، ٦٤ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٩٢٥٠ ، ٣٩٢٥٢ ، والقرطبي في تفسيره ٩ / ٣١٧ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٦٣.
(٣) أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب ٤ / ٥٢٣ ، ٥٤٤ ، ٥٤٧ ، والسيوطي في الدر المنثور ٤ / ٦٠.