(٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢))
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي : بالإيمان (الْحُسْنى) وهي الجنة (وَزِيادَةٌ) وهي النظر إليه تعالى في الآخرة ، كما في الحديث الصحيح : «إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا أن يا أهل الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه فو الله ما أعطاهم الله شيئا هو أحب إليهم منه» (١). والزمخشري في «كشافه» قال في هذا : وزعمت المشبهة والمجبرة ؛ لأنّ المعتزلة ينكرون الرؤية ، ويردّ عليهم قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة ، ٢٢ ، ٢٣] فأثبت الله لأهل الجنة أمرين أحدهما : النضارة وهي حسن الوجوه ، وذلك من نعيم الجنة. والثاني : النظر إلى الله تعالى. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : الحسنى الحسنة ، والزيادة عشرة أمثالها. وعن الحسن : عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وعن مجاهد : الزيادة مغفرة من الله ورضوان. وعن يزيد بن شجرة : الزيادة أن تمرّ السحابة بأهل الجنة فتقول : ما تريدون أن أمطركم ، فلا يريدون شيئا إلا أمطرتهم ، ولا مانع من أن تفسر الزيادة بذلك كله ؛ إذ لا تنافي فيها والفضل واسع. (وَلا يَرْهَقُ) أي : يغشى (وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ) أي : سواد (وَلا ذِلَّةٌ) أي : كآبة وكسوف يظهر منه الانكسار والهوان. (أُولئِكَ) أي : هؤلاء الذين وصفهم الله هم (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) وقوله تعالى : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) إشارة إلى كونها دائمة آمنة من الانقطاع ولا زوال فيها ولا انقراض ، بخلاف الدنيا وزخارفها.
ولما بين تعالى حال الفضل فيمن أحسن بيّن حال العدل فيمن أساء بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) أي : الشرك (جَزاءُ سَيِّئَةٍ) منهم (بِمِثْلِها) بعدل الله من غير زيادة ، وفي ذلك إشارة إلى الفرق بين السيئات والحسنات ؛ لأنّ الحسنات يضاعف ثوابها لعاملها من الواحد إلى العشرة إلى السبعمائة إلى أضعاف كثيرة تفضلا منه تعالى وتكرّما. وأما السيئة فإنه يجازي عليها بمثلها عدلا منه تعالى (وَتَرْهَقُهُمْ) أي : تغشاهم (ذِلَّةٌ) عكس أهل الجنة (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أي : مانع يمنعهم من عذاب الله إذا نزل بهم (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ) أي : ألبست (وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) لفرط سوادها وظلمتها. وقرأ ابن كثير والكسائي بسكون الطاء ، أي : جزء ، والباقون بفتحها جمع قطعة ، أي : أجزاء (أُولئِكَ) أي : هؤلاء الأشقياء (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لا يتمكنون من مفارقتها.
(وَ) اذكر (يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) أي : الفريقين الناجين والهالكين ، العابدين منهم والمعبودين ، من كل جانب وناحية إلى موقف الحساب حال كونهم (جَمِيعاً) لا يتخلف منهم أحد وهو يوم القيامة والحشر الجمع بكره إلى موقف واحد (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ) أي : الزموا مكانكم لا تبرحوا منه حتى تنظروا ما يفعل بكم ، وقوله تعالى : (أَنْتُمْ) تأكيد للضمير المستتر في
__________________
(١) أخرجه بلفظ قريب منه ، مسلم في الإيمان حديث ١٨١ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣١٠٥ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ١٨٧.