الفعل المقدّر ليعطف عليه (وَشُرَكاؤُكُمْ) أي : من كنتم تعبدونه من دون الله (فَزَيَّلْنا) أي : فرّقنا (بَيْنَهُمْ) أي : بين المشركين وشركائهم وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا ، وذلك حين تبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده ، وقيل : فرّقنا بينهم وبين المؤمنين كما في آية (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) [يس ، ٥٩] والأوّل أنسب بقوله تعالى : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) لهؤلاء المشركين (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) أي : إنما كنتم تعبدون الشياطين حيث أمروكم أن تتخذوا لله أندادا فأطعتموهم ، واختلفوا في المراد بهؤلاء الشركاء. فقال بعضهم : الملائكة واستشهدوا بقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ ، ٤٠]. ومنهم من قال : هي الأصنام ، والدليل عليه : أنّ هذا الخطاب مشتمل على الوعيد والتهديد ، وذلك لا يليق بالملائكة المقرّبين ، وسموا شركاء ؛ لأنهم جعلوا نصيبا من أموالهم لتلك الأصنام فصيروهم شركاء لأنفسهم في تلك الأموال ، ثم اختلفوا في هذه الأصنام كيف ذكرت هذا الكلام فقال بعضهم : إنّ الله تعالى خلق الحياة والعقل والنطق فيها فقدرت على ذكر هذا الكلام. وقال آخرون : إنّ الله تعالى خلق فيها الكلام من غير أن يخلق فيها الحياة حتى سمع منها ذلك الكلام. والأوّل أظهر ؛ لأنّ ظاهر قوله تعالى : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) يقتضي أن يكون فاعل ذلك القول هو الشركاء.
فإن قيل : إذا أحياها الله تعالى هل يبقيها أو يفنيها؟ أجيب : بأنّ الكل محتمل فإنّ الله تعالى يفعل في خلقه ما يشاء ، وأحوال القيامة غير معلومة إلا القليل الذي أخبر الله تعالى عنه في القرآن وعلى لسان أنبيائه. وقال بعضهم : المراد بهؤلاء الشركاء كل من عبد من دون الله من إنس وملك وجنّ وشمس وقمر وصنم ، وهذا أظهر ، وعلى هذا والأوّل سموا شركاء ؛ لأنّ الله تعالى لما خاطب العابدين والمعبودين بقوله تعالى : (مَكانَكُمْ) صاروا شركاء في هذا الخطاب ، ولما قال لهم شركاؤهم ذلك قالوا : بل كنا نعبدكم فقال شركاؤهم :
(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) فإنّه تعالى العالم بكنه الحال. (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) أي : لم نأمر بها ولم نعلم بها ، وعلى القول بأنها الأصنام فتقول : ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ، فإنها جمادات لا حس لها بشيء ولا شعور البتة.
تنبيه : إن هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة بين الخفيفة والنافية. (هُنالِكَ) أي : في ذلك الموقف من المكان العظيم الأهوال المتوالي الزلزال (تَبْلُوا) أي : تختبر (كُلُّ نَفْسٍ) طائعة وعاصية (ما أَسْلَفَتْ) أي : ما قدّمت من عمل فتعاين نفعه وضرّه يؤدّي إلى سعادة أو شقاوة. وقرأ حمزة والكسائي بتاءين من التلاوة ، أي : تقرأ ذكر ما قدّمت أو من التلو فيتبع كل شخص عمله فيقوده إلى الجنة والنار والباقون بعد التاء باء موحدة من البلوى وهو الاختبار (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ) أي : إلى جزائه إياهم عما أسلفوا فلم يكن لهم قدرة على قصد غيره. (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) أي : ربهم ومتولي أمرهم على الحقيقة ولا التفات إلى سواه من تلك الأباطيل ، بل انقطع رجاؤهم من كل ما يدعونه في الدنيا وهو المراد بقوله تعالى : (وَضَلَّ عَنْهُمْ) أي : ذهب وبطل وضاع. (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي : يتعمدون كذبه من أنّ معبوداتهم شركاء ، وتيقنوا في ذلك المقام أن توليهم لغير الله كان باطلا غير حق.
ولما بيّن فضائح عبدة الأوثان أتبعها بذكر الدلائل على فساد هذا المذهب بحجج :
الحجة الأولى : قوله تعالى : (قُلْ) أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين (مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ