السَّماءِ) بالمطر (وَالْأَرْضِ) بالنبات فانحصر الرزق في ذلك ، أما من السماء فبتنزل الأمطار ، وأما من الأرض فلأن الغذاء إما أن يكون نباتا أو حيوانا ، أما النبات فلا ينبت إلا من الأرض ، وأما الحيوان فهو يحتاج أيضا إلى الغذاء ، ولا يمكن أن يكون غذاء كل حيوان حيوانا آخر ، وإلا لزم الذهاب إلى ما لا نهاية له ، وذلك محال فثبت أنّ أغذية الحيوانات يجب انتهاؤها إلى النبات ، وثبت أن تولد النبات من الأرض ، فثبت القطع بأنّ الأرزاق لا تحصل إلا من السماء والأرض (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ) أي : الأسماع (وَالْأَبْصارَ) أي : من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحدّ الذي سوّيا عليه من الفطرة العجيبة. عن علي رضي الله تعالى عنه كان يقول : سبحان من بصر بشحم وأسمع بعظم وأنطق بلحم ، أو جمعهما وحفظهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلائه وحفظه (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كأن يخرج الإنسان من النطفة والطائر من البيضة (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) كأن يخرج النطفة من الإنسان والبيضة من الطائر. وقيل : المراد أن يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن. وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي ميت في الموضعين بعد الميم بكسر الياء المشدّدة ، والباقون بعد الميم بسكون الياء. (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي : ومن يلي تدبير أمر الخلائق ، وهو تعميم بعد تخصيص ، وذلك لأنّ أقسام تدبير الله تعالى في العالم السفلي وفي العالم العلوي وفي عالم الأرواح والأجساد أمور لا نهاية لها. وذكر كلها كالمتعذر ، فلما ذكر بعض تلك الأفاصيل عقبها بالكلام الكلي ليدل على الباقي ثم بيّن تعالى أنّ الرسول صلىاللهعليهوسلم إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوال (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك لفرط وضوحه ، وإذا كانوا يقرّون بذلك (فَقُلْ) لهم يا محمد (أَفَلا تَتَّقُونَ) الشرك مع اعترافكم بأنّ كل الخيرات في الدنيا والآخرة إنما تحصل بفضل الله تعالى وإحسانه.
(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) أي : الثابت ربوبيته ثباتا لا ريب فيه ، وإذا ثبت أنّ هذا هو الحق وجب أن يكون ما سواه ضلالا ؛ لأنّ النقيضين يمتنع أن يكونا حقين ، وأن يكونا باطلين ، فإذا كان أحدهما حقا وجب أن يكون ما سواه باطلا ، كما قال تعالى : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) إذ لا واسطة بينهما فهو استفهام تقرير ، أي : ليس بعده غيره فمن أخطأ الحق وهو عبادة الله تعالى وقع في الضلال ، ولذلك سبب عنه قوله تعالى : (فَأَنَّى) أي : فكيف ومن ، أي جهة (تُصْرَفُونَ) أي :
تعدلون عن عبادته وأنتم تقرّون بأنّ الله هو الحق.
(كَذلِكَ) أي : كما حقت الربوبية لله تعالى أو أنّ الحق بعده الضلال ، أو أنهم مصروفون عن الحق (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) في الأزل (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) أي : تمرّدوا في كفرهم وخرجوا عن حدّ الاستصلاح. وقوله تعالى : (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بدل من الكلمة ، أي : حق عليهم انتفاء الإيمان وعلم الله منهم ذلك والمراد بكلمة الله العدة بالعذاب ، وهو (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) [الأعراف ، ١٨] الآية ، و (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) تعليل بمعنى لأنهم لا يؤمنون ، أو ذلك تفسير لكلمته التي حقت. وقرأ نافع وابن عامر كلمة بالألف بعد الميم على الجمع ، والباقون بغير الألف بعد الميم على الإفراد.
الحجة الثانية : قوله تعالى : (قُلْ) أي : قل يا محمد لهؤلاء (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) الذين زعمتموهم شركاء وأشركتموهم في أموالكم من أنعامكم وزرعكم (مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) كما بدأ به ليصح لكم ما ادّعيتم من الشركة (ثُمَّ يُعِيدُهُ) كما كان. فإن قيل : هم غير معترفين بالإعادة فكيف