وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى ، وسهل ورش وقنبل الثانية وأبدلها أيضا حرف مد ، والباقون بالتحقيق.
قال الله تعالى : (قُلْ) أي : قل لهم يا محمد أيضا (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ) الذي تستعجلون به (بَياتاً) أي : في الليل بغتة كما يفعل العدوّ (أَوْ نَهاراً) أي : وقت أنتم فيه تشتغلون بطلب المعاش والكسب (ما ذا) أي : أيّ شيء (يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ) أي : من عذابه وعذاب كل مكروه لا يحتمل شيء منه (الْمُجْرِمُونَ) أي : المشركون ، وضع المجرمون موضع المضمر للدّلالة على أنهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من مجيء الوعيد لا أن يستعجلوا ، وجملة الاستفهام متعلقة بأرأيتم ، وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطأ فيه.
(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) أي : حل بكم (آمَنْتُمْ) أي : آمنتم بالله أو العذاب وقت نزول العذاب وهو وقت اليأس ، والهمزة لإنكار التأخير فلا يقبل منكم ، وقوله تعالى : (آلْآنَ) على إرادة القول ، أي : قيل لهم إذا آمنوا وقت نزول العذاب (آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) تكذيبا واستهزاء.
تنبيه : اتفق قالون مع ورش على النقل هنا ، واتفق القراء كلهم على همزة الوصل التي بعد همزة الاستفهام أن فيها وجهين : وهما البدل والتسهيل.
وقوله تعالى : (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) عطف على قيل المقدّر ، أي : من ، أي : قائل كان استهانة بهم. وقرأ هشام والكسائي بإشمام القاف وهو أن تضم القاف قبل الياء ، والباقون بالكسر (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) أي : الذي تخلدون فيه ، والاتيان بثم إشارة إلى تراخي ذلك عن الإهلاك في الدنيا بالمكث في البرزخ أو إلى أن عذابه أدنى من عذاب يوم الدين (هَلْ) أي : ما (تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) في الدنيا من الكفر والمعاصي (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) أي : يستخبرونك يا محمد (أَحَقٌّ هُوَ) أي : ما وعدتنا به من نزول العذاب وقيام الساعة وهو استفهام على جهة الإنكار والاستهزاء ، قاله حيي بن أخطب لما قدم مكة (قُلْ) لهم في جوابهم (إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) أي : كائن ثابت لا بدّ من نزوله بكم.
تنبيه : أي : بمعنى نعم وهو من لوازم القسم ، ولذلك توصل بواوه في التصديق فيقال : إي : والله ، ولا ينطقون به وحده. (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي : بفائتين العذاب ؛ لأن من عجز عن شيء فقد فاته.
(وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) أي : أشركت (ما فِي الْأَرْضِ) من الأموال (لَافْتَدَتْ بِهِ) من عذاب يوم القيامة ولم ينفعها الفداء لقوله تعالى : (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة ، ٤٨]. (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أي : حين عاينوه وأبصروه صاروا مبهوتين متحيرين فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا سوى إسرار الندم كالحال فيمن ذهب به ليصلب ؛ فإنه يبقى مبهوتا متحيرا لا ينطق بكلمة. وقيل : إنهم أخلصوا لله في تلك الندامة ، ومن أخلص في الدعاء أسره ، وفيه تهكم بهم وبإخلاصهم ؛ لأنهم إنما أتوا بهذا الإخلاص في غير وقته ، بل كان من الواجب عليهم أن يأتوا به في دار الدنيا وقت التكليف ، وقيل : المراد بالإسرار الإظهار ، وهو من الأضداد ؛ لأنهم إنما أخفوا الندامة على الكفر والفسق في الدنيا لأجل حفظ الرياسة ، وفي القيامة بطل هذا فوجب الإظهار وليس هناك تخلد. فإن قيل : أسرّوا جاء على لفظ الماضي والقيامة من الأمور المستقبلة أجيب : بأنها لما كانت واجبة الوقوع جعل الله مستقبلها كالماضي. (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي : بين