قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) أي : في الأزمان الماضية كلها (مِنْ رُسُلِنا) أنا نهلك كل أمّة أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم ، والسنة لله وإضافتها إلى الرسل لأنها من أجلهم ويدل عليه قوله تعالى : (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) [الإسراء ، ٧٧] أي : تغييرا. ولما قرّر تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم الآلهيات والمعاد والنبوّات أردفها بذكر الأمر بالطاعة وأشرف الطاعة بعد الإيمان الصلاة فلذلك قال تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (أَقِمِ الصَّلاةَ) بفعل جميع أركانها وشرائطها بحيث تصير كأنها قائمة بنفسها فإنها لب العبادة لما فيها من المناجاة والإعراض عن كل غير ، وفناء عن كل سوى ، بما أشرق من أنوار الحضرة التي قد اضمحل إليها كل فان ، وفي ذلك إشارة عظيمة إلى أنّ الصلاة أعظم ناصر على الأعداء الذين يريدون بمكرهم استفزاز الأولياء ولذلك كان صلىاللهعليهوسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ثم عين له الأوقات بقوله تعالى : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) في هذه اللام قولان أحدهما أنها بمعنى بعد ، أي : بعد دلوك الشمس ومثله قول متمم (١) :
فلما تفرّقنا كأني ومالكا |
|
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا |
والثاني أنها على بابها لأنها إنما تجب بزوال الشمس والدلوك مصدر دلكت الشمس وفيه أقوال أحدها : أنه الزوال وهو قول ابن عباس وابن عمر وجابر وأكثر التابعين ويدل لذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر» (٢) وقول أهل اللغة معنى الدلوك في كلام العرب الزوال ، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة. والثاني أنه الغروب وهو قول ابن مسعود ونقله الواحدي في «البسيط» عن عليّ رضي الله عنه ، وبه قال إبراهيم النخعي والضحاك والسدي وهو اختيار الفراء وكما يقال للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة يقال لها أيضا إذا غربت دالكة لأنها في الحالين زائلة. قال الأزهري : والثالث أنه من الزوال إلى الغروب وقال في «القاموس» دلكت الشمس غربت أو اصفرّت أو مالت أو زالت عن كبد السماء فحينئذ في هذه اللفظة دلالة على الظهر والعصر والمغرب من استعمال المشترك في معانيه أمّا في الظهر والمغرب فواضح لما مرّ وأمّا العصر فلأنّ أول وقتها أوّل أخذ الشمس في الاصفرار وأدل دليل على ذلك أنه تعالى غيا الإقامة لوقت العشاء بقوله تعالى : (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي : ظلمته وهو وقت صلاة عشاء الآخرة والغاية أيضا هنا داخلة لما سيأتي وقد أجمعوا على أنّ المراد من قوله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أي : صلاة الصبح وهو منصوب قيل على الإغراء ، أي : وعليك بقرآن الفجر ورد أسماء الأفعال لا تعمل مضمرة. وقال الفراء : إنه منصوب بالعطف على الصلاة في قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ) والتقدير أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر وحينئذ تدخل الصلوات الخمس في هذه الآية. قال ابن عادل كالرازي : وحمل كلام الله تعالى على ما يكون أكثر فائدة أولى انتهى.
وسميت صلاة الصبح قرآنا لاشتمالها عليه وإن كانت بقية الصلوات أيضا مشتملة عليه لأنه يطوّل فيها في القراءة ما لا يطوّل في غيرها فالمقصود من قوله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) الحث على
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لمتمم بن نويرة في ديوانه ص ١٢٢ ، وتاج العروس (فرق) ، وأدب الكاتب ص ٥١٩ ، والأزهية ص ٢٨٩ ، والأغاني ١٥ / ٢٣٨ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ٢٧٢ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٤٥ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٠٢ ، ولسان العرب (لوم).
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره ١٥ / ٩٣ ، والزرقاني في شرحه ١ / ٤٥.